في عالم العلاقات الدولية، هناك من يغير مواقفه عن قناعة، وهناك من يغيّرها عن مصلحة، وهناك من يُغيّرها لأنّه ضاق ذرعًا بالمسرحية. ويبدو أن جمهورية الإكوادور اختارت السيناريو الثالث ، “كفى عبثاً، لنعترف بالمغرب ونُغلق ملف البوليساريو إلى الأبد”.
من على شرفة الرباط، وبكامل أناقتها السياسية، أعلنت وزيرة خارجية الإكوادور، غابرييلا سومرفيلد، أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي “الأساس الواقعي والوحيد” لحل نزاع الصحراء. لحظة تاريخية؟ نعم. انقلاب دبلوماسي؟ تقريباً. خبر سار لجبهة البوليساريو؟ بالتأكيد لا.
السفارة المفتوحة… والنافذة المغلقة
ما إن أعلنت كيتو عن افتتاح سفارتها في المغرب، حتى بدا المشهد وكأنه مسرحية عبثية تُسدل فيها الستارة على آخر فصل من دعم متهالك لكيان انفصالي فقد حتى جمهوره في قاعة الانتظار. البوليساريو، الذي عاش سنواته الذهبية في كواليس الحرب الباردة، يكتشف اليوم أن حتى في أميركا اللاتينية، موضة “التحرر الشعبي” أصبحت أرشيفاً.
من التضامن الأيديولوجي إلى الواقعية الاستراتيجية
لطالما اعتبرت دول مثل الإكوادور وغواتيمالا أن دعم البوليساريو موقف “ثوري” ينتمي إلى تراث اليسار الماركسي المُعتّق، إلى أن أدركت مؤخراً أن الثورة لا تُطعم الخبز، ولا تحمي الحدود، ولا تُنجز مشاريع البنية التحتية. فاختارت هذه الدول أن تنتقل من دعم سراب انفصالي إلى شراكة مع دولة مستقرة لها وزن سياسي وأمني واقتصادي في القارة الإفريقية.
وها هو المغرب، بذكائه الدبلوماسي وتوجيهات ملكه، يُعيد تشكيل الخريطة السياسية لنزاع طال أكثر مما ينبغي. “من التدبير إلى التغيير” يقول المحللون، ونحن نضيف: من الرفاق إلى الواقعيين.
تعاون استخباراتي… ضد من؟
الاتفاق بين المغرب والإكوادور يشمل التعاون في مجالات الأمن، الاستخبارات، ومكافحة الإرهاب والمخدرات. كل هذا جميل. لكن لا يسعنا إلا أن نتساءل ، هل يشمل هذا التعاون معلومات عن من تبقى من مسؤولي البوليساريو في أميركا اللاتينية؟ وهل ستتحول المكاتب القديمة للجبهة في كيتو إلى مقارّ للشرطة الدولية لاحقاً؟ الأيام حبلى بالمفاجآت.
البوليساريو… وحدها في الظل
بعدما كانت البوليساريو تتمختر في أروقة الأمم المتحدة حاملة معها تأييد كوبا وفنزويلا وبعض الحنين الثوري، ها هي تجد نفسها اليوم وحيدة كأغنية منسية على راديو قديم. حتى الدول التي كانت تستعملها كورقة ضغط ضد الرباط، اكتشفت أن المغرب لا يُشترى، لكنه يفاوض بشرف، ويقنع بالحجة، ويبني بالواقعية.
من في القائمة المقبلة؟
غواتيمالا، الإكوادور… من التالي؟ نيكاراغوا؟ بوليفيا؟ أو ربما مفاجأة من وزن ثقيل قادمة من الأرجنتين؟ يبدو أن جبهة البوليساريو قد تتحول قريباً إلى نادٍ صغير جداً، لا يتجاوز عدد أعضائه أعضاء مكتبها التنفيذي، وغالباً لا يجتمع إلا لتقاسم خيبات الأمل.
في عام 2025، لم تعد المسألة من يدعم من؟ بل من يتخلّى عن من؟ والإكوادور قالت كلمتها بوضوح، الرباط هي العنوان، والمغرب هو الدولة، والباقي مجرد صدى قديم من زمن لا يُشبه هذا الزمن.