من كان يظن أن هشام جيراندو، الشاب الذي كان يبيع الوهم في بث مباشر، سيصبح يوماً ما “رئيساً شرفياً” لعصابة دولية متخصصة في التشهير والابتزاز والإرهاب الإلكتروني؟ الرجل الذي لا يملك من الجرأة سوى ما يسمح له بسبّ وطنه عبر “واي فاي الجيران”، صار اليوم مطلوباً للعدالة المغربية، محكوماً غيابياً، ومبحوثاً عنه في أكثر من ملف، لكن ما زال يجد الوقت الكافي لتأليف نظريات المؤامرة بحماس طالب في امتحان استدراكي.
جيراندو لم يكتفِ بسجل قضائي يزاحم به سجلات بعض “العتاة”، بل تفرغ، وبكل ما أوتي من رداءة، لنشر الأكاذيب وتلفيق التهم للمواطنين والمسؤولين المغاربة، بل وحتى لأقاربه الذين لم يسلموا من لعنة “اللايف”. البعض يقول إن الرجل يعاني من اضطراب مزمن في تقدير الواقع، لكن الواقع نفسه يبدو أنه تعب من مطاردته.
والأدهى؟ أن عصابته التي كان يتباهى بها كأنها فرقة إنقاذ في فيلم أمريكي، بدأت تتفكك قطعة قطعة، داخل المغرب وخارجه. الأصدقاء القدامى تحوّلوا إلى شهود محتملين، والموالون بالأمس أصبحوا اليوم يفكرون في طرق للنجاة، ولو تطلب الأمر بيع “الكابتن جيراندو” في المزاد العلني.
العدالة المغربية، من جهتها، لا تنام ولا تتسلى بالبثوث المباشرة، بل تشتغل بصمت، وتدوّن الأسماء، وتعد الملفات، وتنتظر فقط اللحظة المناسبة للطرق على الباب، إن لم يكن ذلك الباب قد فُتح أصلاً من الداخل بفعل خيانة جديدة من أحد الرفاق الهاربين.
الرسالة واضحة: زمن الفوضى الرقمية وُلد مشوّهاً وسيموت مشوّهاً. أما هشام جيراندو، فقصته قد تصلح لمسلسل درامي من إنتاج رديء، لكن نهايتها ستكون قانونية بامتياز، لأن المغرب، ببساطة، دولة لا تضحك طويلاً على نكات المبحوث عنهم.
في عالم الصحافة، نقابل كثيراً من النماذج التي تحاول الصعود على أكتاف الضجيج. هشام جيراندو ليس استثناءً، بل هو خلاصة مشوّهة لزمن تتقاطع فيه الرداءة مع الإفلات المؤقت من العقاب. لكنه، في نهاية المطاف، مجرد فصل سيء في رواية ستختمها العدالة المغربية بطريقتها: لا انتقام، لا تصفية حسابات… فقط قانون يُطبّق.
وأنا أتابع انهيار منظومته، تذكّرت قولاً قديماً: “الكذب لا يصنع مستقبلاً، بل فقط يؤجل سقوط صاحبه.” وجيراندو، حتى في هروبه، لا يهرب من العدالة، بل من نفسه.