الاتحاد الأوروبي يجر الجزائر إلى التحكيم: من شراكة استراتيجية إلى #شرا_ونقمة

بقلم بوشعيب البازي

حين وُقّع اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي سنة 2002، قيل لنا إنه “بداية عهد جديد من التعاون”، وإن الجزائر بصدد ربط مصيرها بـ”شريك موثوق”. عشرون سنة بعد ذلك، وجد الشريك الأوروبي نفسه مضطراً لحمل الجزائر إلى غرفة التحكيم الدولي، كزوج غاضب استنفد كل وسائل الحوار، بدءاً من الرسائل الدبلوماسية، وانتهاءً بالتحذير… فجلس يكتب الشكاية وهو يغلي.

لقد أبلغ الاتحاد الأوروبي الجزائر أنه لم يعد يحتمل سياساتها في “تقييد التجارة والاستثمار”، وأن اتفاق الشراكة الذي وُقّع في زمن بوتفليقة ولم يُحدَّث حتى بعد أربع جمهوريات، صار في نظر بروكسل كقصاصة ورق انتهت صلاحيتها.

لكن الرد الجزائري كان بدوره حاسماً: “لقد تفاجأنا!”

نعم، تفاجأت الجزائر، كما يتفاجأ طفل بضبطه يأكل حلوى قبل العشاء. لقد عبّرت وزارة الخارجية عن دهشتها من هذا “القرار المتسرع وأحادي الجانب”، وكأن بروكسل لم تكن تلمّح منذ شهور، وكأن طعنات القيود الجمركية وقوائم المنع و”الدفاتر المليئة بالشروط الوطنية” لم تكن تئنّ في مفاوضات المشاورات.

ديبلوماسية “التفاجؤ المتكرر”

مشكلة الجزائر ليست فقط في السياسات الاقتصادية الانكماشية، بل في اعتمادها سياسة “التفاجؤ المتكرر” كعقيدة دبلوماسية. تفاجأت من تصنيفها في قائمة الدول عالية المخاطر في غسيل الأموال، وتفاجأت من انهيار علاقتها مع إسبانيا، وها هي تتفاجأ من نية الاتحاد الأوروبي اللجوء إلى التحكيم… أما المفاجأة الحقيقية، فهي أن هذه الدولة لا تزال تصرّ على أنها “شريك موثوق”، رغم أن جميع المؤشرات توحي بعكس ذلك.

وزير الخارجية أحمد عطاف، بعث برسالة طويلة إلى كايا كالاس، وكأنها رسالة غرامية ضائعة في زمن الانفصال، يقول فيها إن “الجو كان هادئاً وبناءً”، وإن الجزائر كانت بصدد حل 6 من أصل 8 ملفات. السؤال هنا: وهل الاتفاق التجاري مثل دلو ماء، يكفي أن تُفرغ 75% منه لتقول إنك أوفيت؟

شراكة غير متوازنة؟ نعم، لكن من السبب؟

الرئيس تبون بدوره دخل على الخط، قائلاً إن الظروف تغيّرت، وإن الجزائر أصبحت قادرة على التصدير… دون أن يخبرنا ما إذا كان التصدير المقصود يشمل الغاز فقط، أم يشمل أيضاً الحليب المفقود، والبطاطس التي تُباع بالتقسيط، و”الحريرة” التي قد تُدرج في قائمة الصناعات التحويلية قريباً.

والأطرف من ذلك، أن الجزائر تشتكي من أن الاتحاد الأوروبي استفاد بـ30 مليار دولار مقابل مليار واحد فقط لها… دون أن تتساءل لماذا لم تنوّع اقتصادها، ولا صنعت ولا زرعت، بينما كانت تنفق مداخيل النفط على تمويل حركة البوليساريو، أو شراء السلم الاجتماعي بكيلوغرامات السميد.

هل التحكيم نهاية الشراكة؟

ما يجري اليوم هو أكثر من خلاف تجاري. إنه جزء من مسلسل القطيعة التدريجية بين الجزائر ومحيطها الأوروبي، بدأت بحرب الغاز مع مدريد، مروراً بسحب السفراء، وانتهاءً بتصنيف الجزائر في اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، بتهمة لم تعد أوروبا تهمس بها بل تقولها جهاراً: الجزائر بيئة غير آمنة للاستثمار ومصدر محتمل لتمويل الإرهاب.

هذا، طبعاً، لم يمنع البرلمان الجزائري من تمرير قوانين لمحاربة غسيل الأموال، كما يُمرّر لاعب وسط ميدان كرةً بلا خطة، فقط ليقال إنه “قام بالمجهود”.

بوشعيب البازي يرى أن التحكيم ليس نهاية الطريق، بل البداية الحقيقية لشراكة “جديدة”… عنوانها:

“يا نحكم بالقانون، يا نفترق بالحقيقة.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com