تبون وحياد “الرجل الحائر”… دبلوماسية منزوعة المضمون أم حياد في الاتجاه المعاكس؟

بوشعيب البازي

في لقاء جديد من سلسلة المقابلات التي لا تغير في الواقع شيئًا، خرج علينا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ليعلن، بوجه مطمئن ونبرة أبوية، أن الجزائر دولة “محايدة” لا تنحاز لأحد، وأنها في آنٍ واحد صديقة لروسيا، وواشنطن، وبكين، و”الأصدقاء” في مالي، ومعهم المرتزقة، وضدهم في نفس الوقت.

حياد بطعم فاغنر؟

ما لا يفهمه المتابع البسيط – أو ما يفترض ألا يفهمه – هو كيف يمكن لبلد أن “يرفض المرتزقة على حدوده” وفي الوقت ذاته يوقع اتفاقات غامضة مع روسيا، التي تعتبر فاغنر إحدى أدواتها في إفريقيا؟ ثم يتحدث تبون عن انسحاب المجموعة الروسية كإنجاز دبلوماسي، بينما يعلم الجميع أن “الفيلق الإفريقي” البديل ما هو إلا نسخة بيروقراطية من نفس الجهاز، لكن بمظهر قانوني أنيق وبرعاية وزارة الدفاع الروسية.

تبون هنا لا يدافع عن مبدأ بقدر ما يفاوض على صورة. صورة الجزائر “العتيقة”، دولة حركة عدم الانحياز التي تخلت عنها كل الشعوب منذ نهاية الحرب الباردة، لكنها ما زالت تعلق صور كينيدي وهو يبتسم لثورتها، وتعتبر ذلك رصيدًا دبلوماسيًا قابلًا للتداول في البورصات الجيوسياسية المعاصرة.

مبدأ “كلشي صحابنا”

من الواضح أن الرئيس الجزائري يخلط بين عدم الانحياز واللا موقف. فبينما تنخرط دول العالم في تحالفات ذكية لحماية مصالحها، يتحدث تبون عن توازن بين واشنطن وموسكو وكأن الجزائر تقف على شرفة العالم تشرب قهوتها وتراقب الصراع من بعيد. بل ويستقبل قائد “أفريكوم” ثلاث مرات، ويوقع اتفاقًا عسكريًا غير معلن، ثم يصر على أن الجزائر لا تنحاز! هذا الحياد الجزائري يشبه محاولة الوقوف في منتصف طريق سريع… النتيجة؟ دعس مزدوج.

الرأي الشخصي للكاتب الصحفي بوشعيب البازي حفلة الشعارات في زمن الأقنعة

لا يحتاج المراقب إلى كثير من التحليل ليدرك أن الجزائر في عهد تبون تحاول أن تلعب دور الوسيط المحايد، لكنها لا تملك لا أدوات الوساطة ولا شروط الحياد. الحياد لا يعني إعلان الصداقة مع الجميع، بل القدرة على التأثير المتوازن على الجميع. وهو ما لم يتحقق لا في ليبيا، ولا في مالي، ولا في ملف الغاز مع النيجر.

ثم من المثير للسخرية أن يتحدث الرئيس عن اتفاق الجزائر للسلام وكأنه “أوسلو أفريقي”، بينما الواقع يؤكد أن معظم الفاعلين المحليين والدوليين تجاوزوا هذا الاتفاق منذ سنوات. أما حديثه عن دعم وحدة مالي فهو تكرار لأسطوانة مشروخة لا تجد من يستمع لها حتى في باماكو نفسها.

رسالة مفتوحة إلى ساكن قصر المرادية:

سيادة الرئيس، لم تعد العلاقات الدولية تُدار بذكريات الثورة ولا بصور الرئيس بومدين وهو يصافح كاسترو. العالم تغيّر. والمصالح تُدار بالوضوح لا بالمواربة، وبالتحالفات لا بالتمنيات. أما سياسة “يدنا ممدودة لمن يطلب” فهي تصلح لمراكز الصلح العشائري، لا لدولة تقول إنها لاعب محوري في منطقة الساحل.

أما وقد أصررت على الحياد، فأقترح أن تعلن الجزائر رسميًا نفسها “دولة غير معنية بالزمن”، وتكتفي بإعادة بث خطب بن بلة في نشراتها المسائية. على الأقل، سيكون ذلك أكثر صدقًا من تكرار خطاب “الجزائر ليست معزولة” في كل مناسبة تشهد على العكس.

في دبلوماسية تبون، لا عدوّ دائم ولا صديق دائم… هناك فقط ارتباك دائم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com