العداء الذي يصنع الدولة: هل تبني الجزائر مشروعها على معاداة المغرب؟

بقلم: بوشعيب البازي

لا جديد تحت شمس المغرب العربي سوى استمرار القديم: خطاب جزائري رسمي يتغذّى من العداء للمغرب، ودبلوماسية مغربية تواصل التقدّم رغم الأشواك. في الظاهر، يبدو المشهد تكرارًا لمعادلات جغرافية وسياسية معروفة. لكن في العمق، تكمن مأساة أعمق ، نظام جزائري عاجز عن صياغة مشروع وطني داخلي، فيلجأ إلى اختراع “الجار-العدو” كوسيلة لضمان البقاء.

منذ عقود، تعيش الجزائر داخل معادلة سياسية مغلقة، لا تعتمد على المؤسسات أو التعددية، بل على ذاكرة حرب التحرير، التي أصبحت، مع الزمن، بديلاً عن البرامج التنموية وعن مساءلة الحاضر.

في هذه المعادلة، يبدو المغرب عنصراً ضرورياً ، ليس باعتباره دولة جارة يمكن التعاون معها، بل باعتباره مرآة مزعجة تعكس كل ما لم تستطع الجزائر أن تكونه.

ويصف الباحث الشرقاوي روداني هذه الحالة بأنها ليست خلافاً جغرافياً عادياً، بل خيارًا منهجيًا: بناء سردية داخلية تُقصي فكرة الإصلاح، وتُحوِّل الجار إلى شماعة تُعلّق عليها كل الأزمات.

#العداء_كخطة_حكم

نظام سياسي لم يُحدّث مؤسساته منذ 1962، ولم ينتج رؤية اقتصادية صلبة، ولا يملك مشروعاً اجتماعياً مقنعاً… لا يملك سوى الماضي. ولأن الماضي لا يكفي، تُستدعى الصحراء، وتُضخ المليارات في جبهة البوليساريو، وتُستنفر السفارات، فقط لإعاقة المغرب، لا لبناء مستقبل مشترك.

في المقابل، يقود المغرب مساراً إصلاحيًا تدريجيًا، بمؤسسات دستورية مستقرة وشرعية تاريخية موثوقة. خلال العقد الأخير، تجاوز المغرب منطق الردّ على استفزازات الجزائر، وركّز على تعميق حضوره في أفريقيا، توقيع أكثر من ألف اتفاق، والانفتاح على شراكات استراتيجية في الأطلسي وأمريكا اللاتينية.

الفرق صار واضحاً. الجزائر تمارس سياسة “الإنكار الجيوسياسي”، وتُعرض عن أي تفاوض جاد، بل ترفض حتى الاعتراف باتفاق 6 يوليو 1961 الذي وقّعه قادة حكومتها المؤقتة مع المغرب. لا تُريد حلاً، بل استمرار النزاع، لأن نهايته تعني بداية السؤال الداخلي: وماذا بعد؟ من أنتم؟ وماذا أنجزتم؟

لكن هذا الهروب إلى الأمام لم يُثمر. فلا هي أقنعت الأفارقة بمشروع الدولة الصحراوية، ولا هي أقنعت جيلها الجديد بخطاب المظلومية. شباب الجزائر – رغم محاولات إسكات صوته – بدأ يرى في خطاب الكراهية مضيعةً للزمن، وفي العزلة القارية خيانةً لمصالح بلاده.

كصحفي عايش التحولات المغاربية لعقود، لا أرى في السلوك الجزائري تجاه المغرب نزعة طبيعية أو قراراً سياديًا معزولًا. إنه جزء من هندسة أمنية عميقة تُدير الدولة بعقلية الخندق.

كل من ينجح خارج الحدود يصبح خصمًا، وكل من يطالب بالتغيير داخلها يصبح عميلاً. وحين يُصبح نجاح الجار تهديدًا، فاعلم أن الفشل لم يعد حادثًا، بل سياسة.

لقد استثمرت الجزائر أكثر من أربعة عقود في العداء، لكنها لم تربح سوى المزيد من العزلة. في المقابل، استثمر المغرب في التنمية، وربح الاحترام والمكانة.

ولأن الجغرافيا لا تُغير موقعها، يبقى السؤال ،  متى تصالح الجزائر نفسها أولًا، قبل أن تطلب التصالح مع جيرانها؟

الوقت لم ينفد بعد، لكنّ الطريق يضيق.

وإذا لم تُغيّر الجزائر بوصلتها، فلن تخسر المغرب فقط، بل ستخسر ما تبقّى من دورها في أفريقيا، ومن ثقة شعبها، ومن مشروع الدولة الذي كان يُفترض أن يكون مشروعًا للأمل، لا للاستعداء.

#العداء_كخطة_حكم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com