في هذا الزمن السائل كالماء، حيث لا لون ولا طعم ولا رائحة، أصبح من يتمسك بموقف كمن يسبح عكس التيار… لا ليصل، بل ليُغرقوه بتعليقات باردة، واتهامات جاهزة: “أنت معقّد”، “أنت لا تفهم العصر”، “كن مرناً، كن منفتحاً”… وكأن المبدأ أصبح خطيئة، والكرامة عيباً اجتماعياً!
في زمن “الترند”، لم تعد البطولة أن تُنقذ غريقاً، بل أن تغرق معه… شرط أن تبثّ ذلك بثاً مباشراً على إنستغرام!
أما الفكر؟ فصار سلعة بائرة، لا مكان لها بين فواصل الرقص السريع، والنصائح السطحية عن “حب الذات” و”جذب الطاقة الإيجابية” من أقرب حائط!
ما يؤلم أكثر، هو أن التفاهة لم تَعُد تكتفي بوجودها… بل صارت تملك جيشاً: متابعين، معلنين، بل ومؤسسات تمول وتروّج وتصفّق!
يكفي أن تُجيدَ العبث، حتى تُوصف بـ”صانع محتوى”، ويكفي أن تضحك بلا معنى، حتى تُستدعى للحديث عن “التحفيز” و”تمكين الشباب”.
في المقابل، من قال كلمة حق، أو احتج على مشهد مبتذل، أو عبّر عن غيرته على القيم، يُعامل ككائن منقرض… يُطرد من المنصات، ويُشتم في التعليقات، ويُتهم بـ”التحريض” أو “نشر السلبية”.
أما الجرأة الحقيقية، فقد اختُزلت في خلع الحياء، لا في مواجهة القبح.
نعم، نعيش زمن “التمكين”…
لكن تمكين مَن؟
من لا موهبة له سوى أنه يجيد الاستعراض؟
من لا مبدأ له سوى عدد المشاهدات؟
لا أحد ينكر أهمية الانفتاح… لكن ما نشهده ليس انفتاحاً، بل انفلاتاً جماعياً.
انفلات من الأخلاق، من المسؤولية، من العقل أحياناً!
يا سادة، الحداثة لا تعني أن نُمسخ، ولا أن نُصفق لكل مبتذل تحت اسم “التجديد”.
والحرية لا تعني أن تُعلَن الرداءة إمبراطورةً على العرش، فيما يُنفى الصدق إلى الزوايا المظلمة.
المجتمعات لا تنهار فقط حين تضعف اقتصادياً…
بل حين تختار طواعية أن تقتل ضميرها، وتستهزئ بمن تبقى له نبض.
إذا وصلتي إلى هنا، فشكراً لأنك لم تنقرضي بعد…
شكراً لعقلك الذي ما زال يميز بين الذهب المطلي، والذهب الحقيقي.
#زمن_التفاهة
#الحرية_ليست_عرياً
#المبدأ_قوة
#نجاة_الودغيري
#الكرامة_ليست_رجعية