صرخة رشيدة داتي وبداية السردية المغربية الجديدة في اوربا.

عبد الله بوصوف

لطالما افتخرنا كأي امة عظيمة برجالاتها و أمجادها و سلاطينها و ملوكها الكرام…و أسهبنا طول الأرض و عرضها بالحديث عن إنجازات المغاربة في الداخل اولخارج سواء في مجال الجهاد البحري أو الرحالات أو السفراء من طينة بن عائشة و غيرهم…

و وقفنا ما يلزم من الوقت للحديث عن الشريف الإدريسي و الحسن الوازن و حسن العطار..و غيرهم من المغاربة الذي ساهموا في تغيير العديد من مجريات التاريخ..بعلمهم الوفير و ذكائهم الوقاد…

كما أفردنا مساحات كبيرة لمسارات مغاربة العالم المميزين و المبدعين و الموهوبين في الوقت الحالي…و يكفي ذكر رشيد اليزمي و منصف السلاوي و كوثر حفيظي و اسماء بوجيبار و نجاة بلقاسم و رشيدة ذاتي…و لائحة طويلة من عمداء المدن و رؤساء مختبرات علمية و سياسيين و إعلاميين في بلدان إقامتهم..

و كان من حقنا ان نطلق العنان لخيالنا لنرسم صور رائعة لكل هؤلاء و غيرهم من مغاربة العالم المتميزين و المبدعين…
فهل كان يكفي ان نرسم بورتريهات جميلة و متفائلة عن هؤلاء الموهوبين…؟ و لماذا نتراجع خطوة الى الوراء عند كل حادث عنصري أو عنف غير مبرر ضد مغاربة العالم…؟

اعتقد ان حادثة ” توري باتشيكو ” باسبانيا و ما تعرض له مغاربة يشتغلون في حقول مورسيا و فنادقها من بلطجة و تهديد من طرف اليمين المتطرف الاسباني فوكس…و كذا الرد القوي للوزيرة رشيد ذاتي من داخل مؤسسة تشريعية…
يدعونا لإعادة ترتيب أوراقنا و التفكير بكل جدية…لان تلك الاحداث لا تنسب للصدفة الصرفة…بل هي حلقة صغيرة من صراع وجودي و أيديولوجي كبير يتزعهمه اليمين المتطرف في فرنسا و إيطاليا و ألمانيا و النمسا و هنغاريا و إسبانيا و هولندا و بلجيكا…

بالمقابل لا يجب ان تدفعنا ضرورة إعادة صياغة أفكار جديدة وسردية جديدة للتمادي في الانتقاد المجاني أو جلد الذات…
بل ان اطراف المعركة لا تخطؤها العين فهي من جهة سردية اليمين و اليمين المتطرف و اجندته السياسية و شعاراته بالحفاظ على الدين المسيحي و الأسرة و البنية الديمغرافية الأوروبية و الحدود السيادية…
مقابل سردية إنجازات مغاربة العالم من جهة ثانية ، بالتذكير بكل ما يلزم من إنجازات من رحم المعاناة و التعلق الشديد لمغاربة العالم بوشائج الهوية و الثقافة المغربية و دفاعهم عن المقدسات الوطنية والترابية و مغربية الصحراء و المساهمة في التنمية و التضامن الاجتماعي….

و في خضم هذا الحلم الجميل تأتي صرخة الوزيرة رشيدة ذاتي…من داخل مؤسسة تشريعية فرنسية عريقة و قولها بكل قوة ” انا لست عاملة نظافة….” مع التذكير أن رشيدة ذاتي هي وزيرة لأكثر من مرة و قيادية من الصف الأول في حزبها وحملت حقائب وزارية وازنة كحاملة الاختام (وزارة العدل ) ، و وزارة الثقافة أي الوصية على الثقافة و التراث الحضاري و الثقافي و الديني الفرنسي…
و في نفس الأسبوع ستتعرض نجاة بلقاسم و هي الوزيرة السابقة…لحملة قوية من طرف اليمين المتطرف بعد تعيينها في منصب قضائي مرموق…مستعبدين معيار الاستحقاق للسيدة نجاة بلقاسم…

لا أعتقد أن مغاربة العالم الذين اختاروا العمل السياسي و الانخراط الحزبي و النقابي و الإعلامي كانت طريقهم مفروشة بالورود..بل مقاومة يومية و مجهود مضاعف من أجل الاستمرار بالوقوف في وجه تيار اليمين المتطرف باوروبا ، لذلك لا أعتقد أن مسارات خديجة عريب مثلا بهولندا أو فؤاد احيدار ببلجيكا…خرجت عن مساحة الصراع و إثبات الذات…
إذ هناك العديد من هذه العينة التي صمدت في وجه اليمين المتطرف و بصمت بالنجاح…و أخرى تأخرت أو تراجعت نتيجة مضايقات اليمين المتطرف و آلته الإعلامية الرهيبة…

لذلك نحتاج اليوم لكل نخب المغرب و الأقلام و المؤثرين بالخارج من أجل الانخراط في عمل جماعي لصياغة سردية مغربية جديدة تقارع سردية اليمين المتطرف بأوروبا…

كما يجب قبول النقد الذاتي الإيجابي و البناء…لأننا لم نستطع لحد الآن الحصول على عدد كافي من الأعمال الفكرية و الأدبية..تنتصر لمسارات إيجابية لكل مغاربة العالم بدءا من بن بطوطة و الازموري و غيرهم… مرورا بكل تلك الاحتفالات الباهتة التي تقام على شرف الجنود المغاربة المشاركين في الحرب العالمية الثانية لتحرير أوروبا من الفاشية و النازية…

أعتقد أن السردية الجديدة يجب أن تنطلق من إعادة مراسيم تلك الاحتفالات الفلكلورية التي تحتفظ بكليشهات تغدي المخيال الجماعي الأوروبي حول المغاربة…حيث يقف مجموعة من الشيوخ في ارذل العمر فخورين بنياشين الشجاعة على صدروهم…ينتظرون السلام على رئيس الدولة أو مسؤول كبير…
في حين كان المفروض هو الاهتمام بوضعهم الصحي و المادي و القانوني أولا…لدورهم الكبير في التعجيل بسقوط الفاشية و النازية…
كما يجب الإعتراف بالتقصير الجماعي في حق هؤلاء الابطال…إذ هي قليلة القصص و روايات بطولاتهم و تضحياتهم من أجل أوروبا ديمقراطية و حرة…

و قليل عدد الوثائقيات و الأفلام التي تحكي عن أبطال مغاربة روت دمائهم اراضي و سهول و جبال أوروبا و كانوا رفقاء خندق الحرية في حرب عالمية…

لقد كدنا ان نغرق في أدب مهجر يغرف من النوستالجيا و يغدي بدون قصد بعض عناصر المخيال الأوروبي عن المهاجر المغربي المسلم…وهناك لائحة طويلة من الانتاجات الفكرية و الأدبية التي تتحدث عن بعض جوانب الحياة الأسرية و الاجتماعية المغربية كانت موضوع جوائز أدبية أوروبية…لأن بعض اليمين المتطرف كان يحتاج فقط إلى ” و شهد شاهد من أهلها..”
فهل كانت ستفوز رواية تتحدث مثلا عن بطولات و مواقف مغربية فاصلة في معادلة النصر في الحرب العالمية الثانية….؟
لا أعتقد ذلك لأن ذات اليمين المتطرف و آلته الإعلامية و مجموعاته المالية و الاقتصادية و التي سماها بعض الكتاب و الباحثين في التاريخ المعاصر ب ” سادة العالم “…لن يسمح بسردية جديدة تمجد لدور آباء المهاجرين المغاربة أو الأفارقة في تخليص أوروبا من الفاشية و النازية…
و هو ما نلاحظه في إيطاليا مثلا مع أحداث ” الماروكيناتي ” إذ لم نستطع هناك أيضا إنتاج سردية جديدة منافسة ، بإمكانها تغليب دور ” جنود القوم ” المغاربة في معركة مونتي كاسينو سنة 1944…على عمليات اغتصاب جماعي عوقب فاعلوها سواء بالرمي بالرصاص في حينه أو عبر محاكمات قضائية…
فالسردية الجديدة تقتضي انصاف جنود مغاربة سقطوا بالآلاف في جبال ايطاليا و وقفوا بصدور عارية و أسلحة خفيفة أمام طيران ادولف هتلر…و قوات الفاشي موسوليني في وسط و شمال إيطاليا…

و واقعة الماروكيناتي تعتبر احد اهم النقط الشائكة و الواجبة التفكير …لأن اليمين المتطرف الإيطالي اشتغل على تغدية المخيال الجماعي المحلي..بأن المهاجر المغربي الحالي …هو ابن ذلك الجندي الذي قام بعمليات اغتصاب جماعي…
و قد تنوعت مجالات توضيفه لهذه الواقعة من تقارير و دعاوى قضائية الى روايات و كتب تحول بعضها الى فيلم ك ” لا تشوتشارا ” من بطولة صوفيا لورين التي فازت عن دورها باوسكار..
هذا بالاضافة الى عشرات الوثائقيات و الأفلام القصيرة التي تتحدث عن مجموعة جنود مغاربة كانت تأخد اوامرها من القيادة الفرنسية…لأن القوات المسلحة الملكية لم تؤسس إلا في سنة 1956…

لقد كانت صرخة الوزيرة رشيدة ذاتي…تلك القطرة التي افاضت الكأس…نعم لقد انتهى…و نحن الآن في بداية عهد جديد و طريق جديد…يلزمنا أدوات جديدة…نعم لقد انتهى زمن السردية الوحيدة…و يلزمنا كتابة جماعية لسردية تساهم فيها القوى الحية الى جانب الفاعل الديني و السياسي و الاعلامي و الباحثون في علوم الاجتماع…و عنوانها رفقاء في الخندق شركاء في المواطنة في بلدان الإقامة…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com