المغرب يرسم معالم دبلوماسية اقتصادية جديدة: الاستثمار في الاستقرار والانفتاح على العالم
مجدي فاطمة الزهراء
وسط عالم متحوّل تتقاطع فيه رهانات السياسة بالاقتصاد، اختار المغرب طريقًا ثالثًا، أكثر توازنًا وطموحًا: دبلوماسية تقوم على جذب الاستثمار، وتوسيع دائرة الشراكة، وفرض الحضور الاقتصادي للمملكة في الأسواق الإقليمية والدولية.
هذا التوجه لم يكن مجرد اجتهاد ظرفي، بل سياسة دولة يقودها الملك محمد السادس، الذي وجّه، في أكثر من مناسبة، إلى ضرورة تحويل العمل الدبلوماسي من قناة تقليدية للعلاقات الثنائية إلى رافعة استراتيجية للتنمية الاقتصادية.
من السياسة إلى الاستثمار: بوصلة جديدة للدبلوماسية المغربية
في هذا الإطار، كشف وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن ملامح التحول العميق في وظيفة الجهاز الدبلوماسي، مبرزًا أن الانشغالات الاقتصادية أصبحت أحد الأعمدة المركزية للسياسة الخارجية المغربية.
وأكد بوريطة، خلال عرضٍ رسمي، أن المغرب بات اليوم أكثر جاهزية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، بفضل استقراره السياسي وموقعه الجغرافي الاستراتيجي، فضلاً عن إسهامه المرتقب في احتضان تظاهرات دولية كبرى، ما يفتح آفاقًا واعدة أمام المنتجات المغربية لاختراق أسواق جديدة.
دبلوماسية موزّعة على 170 نقطة في العالم
لم تكن هذه النقلة الهيكلية ممكنة لولا التفعيل الذكي لشبكة المغرب الدبلوماسية التي تتوزع على 110 سفارات و60 قنصلية عبر العالم، وهو ما دفع وزارة الخارجية إلى إحداث مديرية عامة للدبلوماسية الاقتصادية والثقافية داخل بنيتها التنظيمية.
كما تم الشروع في تكوين مستشارين اقتصاديين متخصصين وتعيينهم بعدد من السفارات والقنصليات، لتفعيل التوجه الجديد، والاشتغال ميدانيًا على الملفات الاستثمارية، والدفع في اتجاه خلق شراكات إنتاجية مستدامة.
تحالفات استراتيجية تتجاوز أوروبا
وبينما يواصل المغرب تثبيت شراكاته التقليدية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يسير بالتوازي نحو توسيع علاقاته مع قوى صاعدة كالصين والهند، فضلًا عن تقوية الروابط الاقتصادية مع بلدان الخليج، في إطار شراكات ثنائية ومجالس أعمال مشتركة، جعلت من المغرب محطة استثمارية محورية في شمال أفريقيا.
وتم خلال العام الماضي التوقيع على عدد مهم من اتفاقيات التعاون الاقتصادي، مع بلدان من أربع قارات، في سياق تفعيل خطة حكومية شاملة للتجارة الخارجية.
الحصيلة: أرقام تؤكد التحول
بلغ عدد عمليات الربط التجاري التي سهلتها وزارة الخارجية خلال سنة 2024 نحو 50 عملية، في حين سُجل إلى غاية مايو من السنة الجارية 39 عملية مماثلة، همّت مشاريع شراكة واستثمار بين شركات مغربية وأجنبية.
وفي ما يشبه العمل التحكيمي الصامت، أسهمت الوزارة أيضًا في تسوية ودية لـ35 نزاعًا تجاريًا دوليًا سنة 2023، و17 نزاعًا إضافيًا في النصف الأول من سنة 2025، ما يعكس دورًا جديدًا للدبلوماسية المغربية كوسيط موثوق بين الفاعلين الاقتصاديين.
إشادة دولية بتجربة المغرب
التحول الاقتصادي للمغرب لم يمر دون انتباه المؤسسات الدولية الكبرى. فقد أشاد ممثل البنك الدولي لمنطقة المغرب العربي ومالطا، خافيير دياز كاسو، بالمسار الاقتصادي المغربي، معتبرًا أن المملكة باتت تحتل موقعًا متقدّمًا في التقارير الدولية بفضل ما تتمتع به من ثبات مالي وهيكلي وتناسق في السياسات العمومية.
من جهته يرى الكاتب الصحفي بوشعيب البازي ، أن المغرب نجح في تحويل الدبلوماسية إلى أداة إنتاج فعلي للثروة والتنمية، من خلال سياسة تنويع الشراكات والانخراط الذكي في الاقتصاد العالمي.
نحو دبلوماسية اقتصادية منتجة ومؤثرة
تؤكد كل هذه المؤشرات أن المغرب لم يعد يكتفي بالتموقع كبلد عبور أو استقرار سياسي في شمال أفريقيا، بل يسعى إلى بناء نموذج دبلوماسي بديل، قوامه الفعالية الاقتصادية والانفتاح المتوازن على التكتلات العالمية، وفقًا لرؤية سيادية تأخذ بعين الاعتبار تحولات النظام الدولي ومتطلبات التموقع الذكي داخله.