الرباط – من داخل قلب المملكة المغربية، كما في كل زاوية من ترابها الممتد من طنجة إلى الكويرة، يعلو صوت الوفاء والولاء، مجددًا العهد للعرش العلوي المجيد، ومحتفلًا بالذكرى السادسة والعشرين لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، على عرش أسلافه المنعمين.
في 30 يوليو من كل عام، يحتفل الشعب المغربي بهذه المناسبة الوطنية الخالدة، التي أصبحت رمزًا لتجديد البيعة، ومرآةً صافية لوحدة الأمة وتلاحمها، قيادةً وشعبًا، وتعبيرًا عن اعتزاز جماعي بمسيرة ملك وضع نصب عينيه تطوير البلاد، وتعزيز السيادة، وصيانة الكرامة، وبناء مستقبل يليق بتاريخ المغرب وهويته الراسخة.
العرش المغربي: شرعية تاريخية، قيادة مستقبلية
منذ تربع جلالة الملك محمد السادس على العرش في 1999، حمل مشعل التجديد انطلاقًا من ثوابت الدولة المغربية العريقة، مستندًا إلى شرعية تاريخية ممتدة عبر أكثر من ثلاثة قرون من الحكم العلوي الشريف، وإلى البيعة الشرعية التي تجسد رابطة متينة بين الملك وشعبه، قائمة على المحبة والثقة والوفاء.
لقد أكد جلالة الملك، في خطابه الأول بعد توليه العرش، تمسكه بالملكية الدستورية، والتعددية السياسية، ودولة القانون، والعدالة الاجتماعية، مسطّرًا بذلك معالم مشروع مجتمعي إصلاحي، متجدد، يؤمن بالتنمية الشاملة، ويحتكم إلى المصلحة العليا للأمة.
رؤية ملكية تنموية وعقلانية
خلال ربع قرن، قاد الملك محمد السادس المغرب في مسار غير مسبوق من التحول المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي. من الإصلاح الدستوري سنة 2011، إلى مشاريع كبرى همّت البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والصحة، والتعليم، والسياسات الاجتماعية، أثبت المغرب قدرته على التحديث المتوازن، دون التفريط في خصوصياته الثقافية والدينية.
وفي السياسة الخارجية، واصل جلالة الملك سياسة الانفتاح والشراكة، مستعيدًا بعمق دبلوماسي مكانة المغرب كفاعل موثوق على الساحة الدولية، خاصة في محيطه الإفريقي، حيث اختار نهج التعاون جنوب-جنوب، معزَّزًا بحضور اقتصادي واستثماري لافت، وخطاب عقلاني متزن، يستند إلى الشرعية والمشروعية.
الوحدة الترابية: القضية الوطنية الأولى
منذ خطابه التاريخي في مارس 2000، حين دعا إلى إعداد تصور لحكم ذاتي موسّع في الأقاليم الجنوبية، ظل الملك محمد السادس واضعًا ملف الصحراء المغربية في صدارة أولويات الدولة. وقدّم المغرب في 2007 مقترح الحكم الذاتي للأمم المتحدة، باعتباره حلاً واقعيًا وذا مصداقية، حظي منذئذ بدعم دولي متزايد، من قارات متعددة، اعترافًا بشرعية السيادة المغربية على أراضيه.
لم تكن هذه المبادرة فقط تعبيرًا عن مرونة سياسية، بل كانت أيضًا انعكاسًا لرؤية استراتيجية ترسخ الأمن والاستقرار، وتنفتح على آفاق تنموية في إطار الجهوية الموسعة، حيث ساهمت الاستثمارات الملكية في الأقاليم الجنوبية في تحويلها إلى نموذج تنموي رائد.
المصالحة الوطنية: طي صفحة الماضي بروح مسؤولة
في لحظة مفصلية من التاريخ المعاصر، قاد جلالة الملك مبادرة العدالة الانتقالية عبر هيئة الإنصاف والمصالحة، ما مثّل تجربة رائدة في العالم العربي والإفريقي، تجسدت فيها قيم الإنصاف، وردّ الاعتبار، وكشف الحقيقة، والمصالحة مع الذات والتاريخ. وقد شكّلت هذه المبادرة أساسًا متينًا لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة، وتعزيز الثقة في المؤسسات، وبناء مستقبل قائم على التعددية والعدالة الاجتماعية.
القدس وفلسطين: من الثوابت الراسخة
في كل محفل وخطاب، يعبر جلالة الملك محمد السادس عن انحيازه الثابت إلى القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. فبصفته رئيس لجنة القدس، لم يتوانَ عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، مع تأكيده أن المغرب لن يقبل المساس بالوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة.
لقد أثبتت تحركات جلالته، الدبلوماسية والإنسانية، آخرها التدخل المباشر لحل أزمة الأموال الفلسطينية المحتجزة، أن المغرب ليس مجرد داعم سياسي، بل شريك فاعل في جهود إحلال السلام القائم على الحقوق المشروعة.
العرش والشعب: علاقة وفاء متجذرة
في هذه الذكرى الوطنية، يستحضر المغاربة جميعًا روح الإجماع الوطني حول العرش، كرمز للسيادة والوحدة والتماسك، في وطن تتكامل فيه المؤسسات، وتتوزع فيه الأدوار، وتلتقي فيه الإرادات على أرضية الإصلاح المستمر، والتطلع المشترك إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
لا يمكن اختزال منجزات عهد محمد السادس في الأرقام فقط، بل تُقاس بمستوى الثقة التي بات يحظى بها المغرب إقليميًا ودوليًا، وبالانخراط الشعبي في مشاريع التنمية، وبالاستقرار المؤسساتي، وبالعقلانية السياسية التي جعلت من المملكة نموذجًا فريدًا في محيط إقليمي مضطرب.
جيل جديد في ظل العهد الجديد
وإذ يتطلع المغاربة إلى المستقبل، فإن ولي العهد الأمير مولاي الحسن، الذي يمثل امتدادًا طموحًا للمؤسسة الملكية، يبعث برسائل استمرارية واستقرار، مؤكدة على رسوخ هذا البيت العلوي العريق، وقدرته على ضمان الانتقال السلس في خدمة الشعب والوطن.
في عيد العرش السادس والعشرين، تُجدد البيعة، وتُستحضر الذاكرة، ويُبنى الأمل. إنّ المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، يواصل مسيرته بثبات نحو مجتمع الحرية والكرامة والازدهار، مجتمع يكون فيه كل مواطن شريكًا في البناء، وكل اختلاف مصدر غنى، وكل تحدٍّ فرصة للتقدم.