في خطوة حاسمة طال انتظارها لتنظيم المشهد الإعلامي ووقف حالة التسيب التي باتت تُشوه صورة التغطيات الرسمية، وجّه وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، مذكرة صارمة إلى عمال عمالات جهة الدار البيضاء – سطات، تقضي بعدم السماح بأي تغطية إعلامية للأنشطة الرسمية، إلا من طرف الصحفيين الحاملين للبطاقة المهنية الصادرة عن المجلس الوطني للصحافة.
القرار جاء ليضع حدًا لما وصفه متابعون بـ”العبث الإعلامي”، الذي أفرزته فوضى “الصحافة الفيسبوكية” و”المراسلات المشبوهة”، حيث تحوّلت بعض الأنشطة الرسمية إلى فضاءات مفتوحة أمام أشخاص لا صلة لهم بالمهنة، ولا يلتزمون بأخلاقياتها ولا بضوابطها القانونية.
إعادة الاعتبار للمهنة وتنزيل القانون
تُعدّ هذه الخطوة تطبيقًا فعليًا لمقتضيات قانون الصحافة والنشر، الذي يربط ممارسة مهنة الصحافة بالحصول على بطاقة مهنية رسمية صادرة عن هيئة التنظيم الذاتي للمهنة، أي المجلس الوطني للصحافة. فحسب مضمون المذكرة، فإن السلطات الترابية أصبحت ملزمة بالتقيد الصارم بهذا المعيار كشرط ضروري لدخول الفضاءات الرسمية وتغطية أنشطة العمالات والقيادات والمصالح اللاممركزة.
ويُنظر إلى هذه المذكرة كإشارة واضحة على رغبة وزارة الداخلية في تأهيل الحقل الإعلامي محليًا، وتمكين الصحفيين المهنيين من أداء دورهم في إطار من التنظيم والاحترافية، بعيدًا عن العشوائية والارتجال.
ضبط المهنة أم تكميم للأفواه؟
ورغم الترحيب الواسع الذي لقيه القرار داخل أوساط الصحفيين المهنيين والمؤسسات الإعلامية الجادة، فقد عبر بعض الأصوات المنتسبة لـ”الصحافة المواطنية” عن تخوفهم من أن تتحول مثل هذه الإجراءات إلى أداة إقصاء. إلا أن متخصصين في الإعلام اعتبروا أن “الحق في الوصول إلى المعلومة لا يعني الفوضى، وأن الحماية القانونية للصحفي لا تتحقق إلا بوضوح صفته وهويته المهنية”.
رسالة لمن يهمهم الأمر
في سياق هذا التوجه الإصلاحي، تبرز ضرورة أن تحذو التمثيليات الدبلوماسية للمملكة، من سفارات وقنصليات، نفس الحزم والانضباط في التعامل مع التغطيات الإعلامية خلال المناسبات الرسمية والأنشطة البروتوكولية. فقد تحوّلت بعض القنصليات، في مناسبات وطنية، إلى منصات مفتوحة أمام هواة يحملون هواتف ذكية أكثر مما يحملون وعيًا صحفيًا، مما أفضى إلى فوضى بصرية وتواصلية، لا تليق بصورة الدولة ولا بوقار العمل الدبلوماسي.
إن فرض شرط التوفر على البطاقة المهنية الصادرة عن المجلس الوطني للصحافة ينبغي أن يُعتمد أيضًا في الفضاءات الدبلوماسية المغربية بالخارج، ليس فقط من باب الانسجام المؤسساتي، ولكن أيضًا لضمان احترافية الرسائل الإعلامية الموجهة إلى الرأي العام الدولي، ومنع توظيف بعض المناسبات من طرف ذوي الأجندات المجهولة أو الولاءات المشبوهة.
فكما تسعى وزارة الداخلية إلى تنظيم المشهد الإعلامي داخل الوطن، فإن التمثيليات المغربية مطالبة بتأهيل محيطها الإعلامي الخارجي، بما يخدم صورة المملكة ومصالحها الاستراتيجية، ويكرّس احترام المعايير المهنية والدبلوماسية في التعاطي مع الإعلام.
بمذكرة لفتيت، تدخل الدولة مرحلة جديدة من الحزم في التعامل مع المهنة، وتبعث برسالة صريحة: الانتماء إلى الجسم الصحفي لم يعد يُثبت بمنشور فايسبوكي أو ببطاقة مزورة، بل بالاحترام الصارم للقانون والمساطر المهنية.
كما يُنتظر أن يتم تعميم هذا التوجه على باقي جهات المملكة، في إطار تنزيل رؤية وطنية لإصلاح شامل لمجال الإعلام المحلي، وتجفيف منابع التسيب، وصون صورة المرفق العام من الابتذال الذي قد تسببه التغطيات غير المؤطرة.