سوء التدبير يطيح ببرامج التعليم المغربي في أوروبا: من إسبانيا إلى بلجيكا، أزمة الثقة والشفافية

بوشعيب البازي

برنامج تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية في المدارس الإسبانية يثير جدلاً كبيراً حول جودة الأداء وسوء التدبير، بعد أن قررت حكومة مدريد رسمياً الانسحاب من المشروع بسبب اختلالات تنظيمية واضحة، ونقص في الشفافية المتعلقة بمعايير اختيار الأساتذة وكفاءتهم، فضلاً عن ضعف الرقابة على المحتوى البيداغوجي. هذا البرنامج الذي تموله الحكومة المغربية وتديره وزارة التربية الوطنية عبر أساتذة مغاربة مختارين بعناية، استهدف إدخال اللغة العربية والثقافة المغربية إلى 12 منطقة ذات حكم ذاتي بإسبانيا، منها الأندلس وكاتالونيا ومدريد وجزر الكناري، في إطار اتفاقية تعاون ثنائي بين الرباط ومدريد، لكنه اصطدم بعدم رضا السلطات الإسبانية وبعض الهيئات المدنية التي عبّرت عن تخوفاتها من محتوًى تعتقد أنه قد يتضمن إشارات دينية أو رموزاً سياسية لا تتوافق مع النظام العلماني الإسباني، كما أثيرت تساؤلات حول احتمال ترويج قيم تتعارض مع القيم الديمقراطية الغربية مثل التمييز ضد النساء أو الزواج القاصرات.

يعود جزء كبير من المشكل إلى سوء التدبير من طرف مؤسسة الحسن الثاني التي لم تنجح في بناء جسر تواصلي فعال مع عمدة البلديات وجمعيات آباء التلاميذ في إسبانيا، وهو نفس الخلل الذي تسبب في تقليص عدد الأساتذة الموجهين إلى دول أوروبية أخرى كألمانيا وهولندا والدنمارك، حيث منعت هذه الدول بعد ذلك هؤلاء الأساتذة من مواصلة مهامهم.

في بلجيكا، تكررت مأساة مشابهة بحلقات درامية لا تخلو من سخرية حيث تم توقيف عقود 16 معلماً مغربياً في والونيا بشكل مفاجئ، رغم أن عقودهم كانت تمتد حتى 2027، وبتجديد السلطات البلجيكية لتصاريح عملهم وإقاماتهم، مما يؤكد توفر حاجات فعلية لهم، إلا أن الجانب الإداري المغربي تعامل مع الملف بشكل متهاون وغير منطقي، فبعد إرسال 45 معلماً جدداً في 2025 لوضع غير متناسب مع احتياجات السوق، أُبلغ هؤلاء المعلّمون القدامى بقرار إنهاء عقودهم في نهاية صيف 2025 وبإشعار متأخر وغير كافٍ، ما تركهم في حالة من الفوضى الشخصية والمهنية، حيث اضطر بعضهم لفسخ عقود سكن، وإلغاء اشتراكات، ونقل أبنائهم من المدارس، وكأنهم في مسرحية إدارية سوداء يختلط فيها التأخير والارتباك.

تلك الأزمة في إدارة ملف التعليم المغربي بالخارج، سواء في إسبانيا أو بلجيكا أو دول أوروبية أخرى، تعكس قصوراً في التخطيط، ضعف التواصل مع الجهات المحلية، وعشوائية في التوظيف والتسيير، ما يضر بصورة المغرب دبلوماسياً وثقافياً، ويؤثر سلباً على حقوق أبناء الجالية المغربية في التعليم اللغوي والثقافي والديني، رغم أن أكثر من 290 ألف تلميذ مسلم يدرسون في إسبانيا، حيث يعاني 95% منهم من غياب دروس دينية منظمة أو حتى من معلومات كافية حولها.

يبقى التحدي اليوم قائماً في إصلاح هذا القطاع الحيوي عبر ضمان مرجعية ثقافية واضحة، حياد ديني تام، شفافية في التكوين والتوظيف، وتنسيق فعّال مع كل الشركاء المحليين، بهدف حماية الحقوق التربوية لأبناء الجالية وتعزيز صورة المغرب بالخارج، بعيداً عن أي اختلالات قد تفتح المجال للانتقادات والشكوك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com