يشكل ملف معتقلي حراك الريف أحد أبرز القضايا الحقوقية والسياسية التي ما تزال تلقي بظلالها الثقيلة على المشهد المغربي، إذ بعد مرور سنوات طويلة من العقوبات السجنية التي تراوحت بين عشر سنوات وعشرين سنة في حق عدد من النشطاء.
وما زالت الأصوات الحقوقية الوطنية والدولية تطالب بإطلاق سراحهم، معتبرة أن استمرار اعتقالهم يعكس أزمة ثقة عميقة بين الدولة وفئات واسعة من المجتمع، لاسيما في مناطق الريف التي شهدت اندلاع هذه الحركة الاحتجاجية.
وقد انطلقت شرارة الحراك أواخر سنة 2016 إثر وفاة بائع السمك محسن فكري في حادث مأساوي بمدينة الحسيمة، ما أدى إلى موجة من الاحتجاجات السلمية التي رفعت مطالب اجتماعية واقتصادية وتنموية مشروعة. غير أن تدخل السلطات الأمنية آنذاك أدى إلى اعتقال قادة الحراك وعلى رأسهم ناصر الزفزافي، ونبيل أحمجيق، وسمير إيغيذ، ومحمد حاكي، وزكرياء أضهشور، ومحمد جلول، الذين وجهت لهم تهم ثقيلة من قبيل المس بأمن الدولة والتحريض على التمرد وتعطيل المرافق العمومية، وهي تهم اعتبرتها العديد من المنظمات الحقوقية مبنية على أساس سياسي أكثر منه جنائي.
وتشير بيانات منظمات مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، والاتحاد الأوروبي، إلى أن المحاكمات التي جرت افتقرت إلى ضمانات المحاكمة العادلة، وأن ظروف الاعتقال كانت قاسية وأحياناً مهينة، فضلاً عن منع بعض المعتقلين من حضور جنازات ذويهم أو متابعة دراستهم بحرية.
وفي مقابل ذلك، يذهب العديد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين إلى ضرورة طي هذا الملف عبر مقاربة للمصالحة الوطنية، تقوم على إطلاق سراح المعتقلين وتعويض المتضررين من أحداث الحراك، مع تبني برامج فعلية لتحقيق المطالب التنموية والاجتماعية التي رفعتها الحركة، بما يسهم في استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
كما أن استمرار هذا الملف مفتوحاً يوفر بيئة مناسبة لتدخل أطراف خارجية، وعلى رأسها الجزائر، التي استثمرت هذه القضية إعلامياً وسياسياً للإساءة إلى صورة المغرب دولياً، في سياق تنافس إقليمي تقليدي وتوتر مزمن بين البلدين. وعليه، فإن معالجة هذا الملف لا يجب أن تظل أسيرة الحسابات الأمنية أو الصراع الإعلامي، بل ينبغي أن تندرج ضمن رؤية شاملة لإرساء العدالة الاجتماعية والاعتراف بالمطالب المشروعة، بما يعزز الوحدة الوطنية ويقطع الطريق أمام أي استغلال خارجي أو انقسام داخلي.