المغرب يتصدر وجهات الغاز الإسباني وسط تحولات في العلاقات الجزائرية – الإسبانية
ماريا الزاكي
تُظهر أحدث البيانات الصادرة عن المعهد الإسباني للاحتياطيات البترولية الاستراتيجية (CORES) أن المغرب أصبح في يونيو 2025 الوجهة الأولى لصادرات الغاز الطبيعي الإسباني، بعدما استورد ما يقارب 858 جيجاواط/ساعة، أي ما يمثل 35.5% من إجمالي الصادرات الإسبانية خلال الشهر ذاته.
وبلغ مجموع صادرات إسبانيا من الغاز الطبيعي في الفترة نفسها 2415 جيجاواط/ساعة، مسجلاً انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 40% مقارنة بشهر يونيو 2024. وتشير المعطيات إلى أن 52.1% من الغاز نُقل عبر الأنابيب، بينما 47.9% صُدّر على شكل غاز طبيعي مسال.
بعد المغرب، جاءت فرنسا في المرتبة الثانية، حيث استوردت حوالي 354 جيجاواط/ساعة، أي ما يمثل 14.6% من إجمالي صادرات الغاز الإسباني.
السياق الإقليمي
يأتي صعود المغرب إلى صدارة الوجهات الطاقية لإسبانيا في سياق إقليمي حساس، حيث شهدت العلاقات بين مدريد والجزائر تقلبات حادة خلال العامين الماضيين. فبعد أزمة دبلوماسية حادة اندلعت في 2022 على خلفية تغيير إسبانيا موقفها من قضية الصحراء الغربية واعتبار الجزائر ذلك “انحيازًا” للمغرب، فرضت الجزائر شبه حظر على المبادلات التجارية مع مدريد بين يونيو 2022 ونوفمبر 2024.
هذا القرار تسبب في “انهيار” التجارة الثنائية، وفق ما أورد موقع “إل إنديبندينتي” الإسباني، وأدى إلى خسائر فادحة طالت نحو 9000 شركة إسبانية. ورغم استمرار الجزائر في احترام التزاماتها الغازية عبر خط ميدغاز الذي يغطي ما بين 26% و30% من احتياجات إسبانيا، فإن المبادلات التجارية غير الطاقية تراجعت بشكل شبه كلي.
عودة تدريجية للتجارة مع الجزائر
في نوفمبر 2024، رفع البنك المركزي الجزائري القيود المفروضة، ما سمح باستئناف المبادلات التجارية، وهو ما انعكس خصوصًا على قطاع السيراميك، حيث بلغت واردات الجزائر من الآلات والمواد الخام الإسبانية نحو 44.6 مليون يورو في الأشهر الخمسة الأولى من 2025. كما ارتفعت الصادرات الإسبانية إلى الجزائر بنسبة 162% خلال الفترة نفسها، بقيمة إجمالية قدرت بـ 900 مليون يورو، وفق أرقام نشرتها وكالة TSA الجزائرية.
ورغم هذه العودة التدريجية، لا يزال الميزان التجاري يميل لصالح الجزائر بفضل صادراتها من الغاز، فيما تبقى العلاقات السياسية مع حكومة بيدرو سانشيز متوترة، حسب ما أشارت إليه الصحافة الإسبانية.
المغرب لاعب محوري في الطاقة الإيبيرية
تحول المغرب إلى الوجهة الأولى للغاز الإسباني يعكس تغيرًا استراتيجيًا في خريطة الطاقة بالمنطقة، ويبرز في الوقت نفسه اعتماد مدريد المتزايد على شراكتها الطاقية مع الرباط. هذا التطور لا ينفصل عن الدينامية الجيوسياسية المرتبطة بقضية الصحراء المغربية، ولا عن التقارب المغربي – الإسباني في السنوات الأخيرة على المستويات الأمنية والاقتصادية والطاقية.
في المقابل، ورغم عودة التجارة مع الجزائر إلى مسارها الطبيعي نسبيًا، تبقى هذه الأخيرة حذرة، وهو ما يجعل مستقبل العلاقات الاقتصادية رهينًا بالتطورات السياسية الإقليمية، خصوصًا مع استمرار تموضع مدريد الواضح إلى جانب الرباط في ملف الصحراء.