مجلس حقوق الإنسان يفضح مأساة تندوف: شهادات صادمة ومسؤوليات معلّقة

بوشعيب البازي

شهدت الدورة الستين لمجلس حقوق الإنسان بجنيف نقاشاً حاداً حول الأوضاع المأساوية في مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر، حيث يعيش عشرات الآلاف من الصحراويين منذ ما يقارب نصف قرن في ظروف وُصفت بأنها غير إنسانية. فقد كشفت مداخلات حقوقيين وضحايا سابقين عن سلسلة من الانتهاكات الخطيرة: اختفاءات قسرية، إعدامات خارج القانون، عنف جنسي، وتعميق التبعية للمساعدات الإنسانية.

خلال جلسة النقاش العام، سلّط مصطفى معولينين، ممثل منظمة CIRAC، الضوء على قضية أحمد الخليل، المدافع الصحراوي عن حقوق الإنسان الذي اختفى منذ سنة 2009 في ظروف غامضة داخل المخيمات. وبحسب الشهادات، فإن الرجل كان ضحية انتقاداته المتكررة للفساد، ليضاف اسمه إلى لائحة تضم أكثر من 131 حالة اختفاء قسري موثقة دون أن تتحرك السلطات الجزائرية لفتح أي تحقيق.

ولم تقف الانتهاكات عند هذا الحد. فقد أشارت شهادات إلى إعدام أكثر من ثلاثين شاباً صحراوياً حاولوا الفرار من المخيمات، إضافة إلى ممارسات ممنهجة من التعذيب والاعتقال التعسفي. المحامي الإسباني مانويل نافارو بينالوزا لفت الانتباه إلى حالة خديجتو محمد التي تعرضت لاعتداء جنسي وحشي نُسب إلى زعيم “البوليساريو” إبراهيم غالي، ما يعكس – بحسبه – “ثقافة إفلات تامة من العقاب”.

شهادات أخرى وصفت تندوف بأنها “سجن في الهواء الطلق”. فالأطفال لا يحصل نصفهم على الحد الأدنى من التعليم وفق تقارير اليونيسف، بينما يواجه المرضى محدودية قصوى في العلاج، إذ لم يتجاوز عدد المستفيدين من حصص غسيل الكلى سنة 2024 سوى 74 شخصاً. أما الحصص الغذائية التي يوزعها برنامج الأغذية العالمي فهي بالكاد توفر الدقيق والأرز والبقوليات والزيت، وهو ما يجعل السكان رهائن العوز، في ظل اتهامات متكررة بتحويل جزء من هذه المساعدات لأغراض سياسية أو للمتاجرة.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لم يُخف بدوره قلقه، حيث أشار في تقريره الأخير إلى استمرار الاشتباكات قرب المحبس والسمارة، وما نتج عنها من سقوط ضحايا مدنيين من جنسيات موريتانية ومالية وسودانية. وحذّر من خطر نزاع مستمر منذ نصف قرن يبدّد آمال الصحراويين في مستقبل مستقر.

في العمق، تكشف هذه المعطيات أن المأساة لا تتعلق فقط بنقص الغذاء أو الدواء، بل بوجود منظومة كاملة من التوظيف السياسي لمعاناة المدنيين. فبرامج مثل “عطلة في سلام” التي يُرسل فيها أطفال المخيمات إلى أوروبا تُستغل – حسب العديد من المتدخلين – للدعاية، أكثر مما هي مبادرات إنسانية.

وبينما يتزايد الضغط الحقوقي، يظل السؤال المطروح على طاولة المجتمع الدولي: إلى متى ستبقى الجزائر تتنصل من مسؤولياتها القانونية تجاه سكان يعيشون فوق أراضيها؟ ومتى ستتمكن المنظمات الأممية من دخول المخيمات بحرية لإجراء إحصاء شفاف وضمان حماية فعلية لآلاف المدنيين العالقين بين صراعات السياسة ومصالح السلطة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com