محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط: “اليوتيوبر” ليس صحافياً ولو ادعى

العيماني

يبدو أن بطاقة الصحافة في المغرب قد تحولت إلى ما يشبه “جواز سفر مهني” لا يناله إلا من جمع بين الشرط القانوني والشرط الأخلاقي، وليس مجرد من نصب “كاميرا” على “تريبود” وفتح قناة على “يوتيوب” ليعلن نفسه صحافياً.

فقد أيدت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، يوم 16 شتنبر 2025، الحكم الابتدائي القاضي برفض الطعن الذي تقدم به حميد المهداوي بخصوص عدم تجديد بطاقته الصحافية. الحكم جاء ليكرس موقف اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، والتي اعتبرت أن الرجل لا يستوفي الشرط الأساسي: أن يكون دخله الرئيسي من مهنة الصحافة، كما هو متعارف عليه دولياً وكما يحدده القانون المغربي رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر.

يوتيوب ليس “وكالة أنباء”

المهداوي بنى دفاعه على نشاطه الرقمي عبر قناته على “يوتيوب”، لكن القضاء ذكّره بحقيقة بسيطة: “يوتيوب” ليس مؤسسة إعلامية مغربية، ولا يخضع للقانون الوطني، بل لقانون الشركة الأجنبية المالكة له. وبالتالي، لا يمكن للقناة أن تتحول بقدرة “مونتاج” إلى امتداد للموقع الإلكتروني “بديل” الذي كان موضوع المادة 2 من قانون الصحافة.

بعبارة أخرى، من ينشر على “يوتيوب” لا يصبح تلقائياً صحافياً، تماماً كما أن من يطبخ “حريرة” على “تيك توك” لا يتحول إلى طباخ معتمد لدى الاتحاد الدولي لفن الطبخ.

رسالة أبعد من المهداوي

الحكم لا يستهدف شخصاً بعينه بقدر ما يرسم حدوداً فاصلة بين المحتوى الرقمي والعمل الصحافي. الصحافة مهنة قائمة بذاتها، لها مؤسساتها، تقاليدها، وأدواتها المهنية والقانونية. بينما المحتوى الرقمي، مهما كان مؤثراً، يبقى نشاطاً تعبيرياً يخضع لقوانين أخرى، لكنه لا يخول حامله بطاقة مهنية تمنحه امتيازات واعترافاً رسمياً.

سخرية الموقف

المفارقة أن بعض “يوتيوبرز” يعتبرون أنفسهم صحافيين لمجرد أنهم يملكون ميكروفوناً ورقم حساب على “غوغل أدسنس”. والحقيقة أن الفرق بين الصحافي واليوتيوبر شبيه بالفرق بين الطيار الذي يقود طائرة ركاب وفق رخصة دولية، وبين الهاوي الذي يلعب بطائرة “درون” فوق سطح منزله ويصرخ “أنا كابتن”.

محكمة الاستئناف وضعت النقاط على الحروف: الصحافة ليست “بثاً حياً” على يوتيوب، ولا سلسلة من الفيديوهات الموسومة بعناوين مثيرة. هي مهنة تضبطها قوانين واضحة، من أرادها فعليه أن يدخل من بابها الكبير، لا من نافذة “البث المباشر”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com