تشهد القنصلية العامة للمغرب بفرانكفورت منذ أشهر حالة من التوتر والاضطراب، نتيجة ما يُتداول عن اختلالات في التسيير وتجاوزات في المعاملة من طرف القنصل العام خليفة أيت الشايب. هذه الاتهامات، التي تسربت إلى وسائل الإعلام وخصوصاً عبر شهادات الموظفين، لم تعد مجرّد شكاوى متناثرة، بل تحوّلت إلى ملف ثقيل يضع وزارة الخارجية المغربية أمام أسئلة محرجة حول دورها ومسؤوليتها في حماية موظفيها وصون صورة البلاد في الخارج.
رد هزيل من الخارجية
أمام تصاعد الأصوات المنتقدة، اختارت وزارة الشؤون الخارجية خطوة وُصفت بالهزيلة: بدل فتح تحقيق مستقل وشفاف، لجأت إلى محاولة استقصاء “عبر فيديو كونفرنس” لآراء الموظفين أنفسهم حول تجاوزات القنصل. خطوة فُهمت على نطاق واسع كآلية لإفراغ الملف من محتواه، خصوصاً أن الجميع يعلم بأن الموظفين العاملين تحت سلطة القنصل لن يجرؤوا على قول الحقيقة ، في ظل مناخ تسوده الخشية من الانتقام الإداري والمضايقات المهنية.
صورة مشوهة للدبلوماسية المغربية
هذه الواقعة تطرح سؤالاً عميقاً، كيف يمكن لمؤسسة دبلوماسية من المفترض أن تكون واجهة المغرب بأوروبا أن تتحول إلى مصدر شكاوى وتوترات داخلية؟
بدلاً من حماية موظفيها والدفاع عن كرامتهم، بدا أن الوزارة تنحاز ـ ولو بصمت ـ إلى جانب القنصل العام، ما يبعث برسالة سلبية مفادها أن الولاء للسلطة أهم من احترام القوانين والالتزام بالمسؤولية الأخلاقية.
اختلالات بنكهة جبروت
هذه الصورة التي تترسخ تضر مباشرة بسمعة المغرب وسط جاليته بألمانيا، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز جسور الثقة مع أبنائها في الخارج، لا إلى تنفيرهم.
صمت رسمي… وتشجيع ضمني
الخطير في الأمر أن استمرار القنصل العام في منصبه، رغم كثرة الشهادات والتقارير الإعلامية، يوحي بوجود تواطؤ أو على الأقل تغاضٍ رسمي. وهو ما يفتح الباب أمام فرضية أن الحماية التي يحظى بها ليست مجرد تقصير، بل جزء من بنية متجذّرة حيث المسؤول لا يُحاسَب، بل يتم تشجيعه على المضي قدماً في ممارساته.
عندما يفسد “رب البيت”…
و حسب الشاعر سبط ابن التعاويذ ف: “إذا كان رب البيت ضاربا…. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص ” وإذا كان القنصل العام قدوة سلبية داخل مؤسسة دبلوماسية حساسة، فمن العبث انتظار أداء إداري سليم أو علاقة سوية مع الجالية المغربية المقيمة بفرانكفورت.
الحاجة إلى مساءلة حقيقية
المسألة لم تعد مجرد قضية إدارية محلية، بل تحولت إلى اختبار لمدى جدية المغرب في إصلاح منظومته الدبلوماسية. فهل ستجرؤ وزارة الخارجية على فتح تحقيق شفاف ومستقل، والاستماع إلى الموظفين دون ضغط، أم ستستمر في سياسة “الستار الحديدي” التي تحمي المسؤولين على حساب الوطن وصورته في الخارج؟
الجواب ما زال معلقاً، لكن المؤكد أن الحقائق ستظهر تباعاً، ليس عبر موظفين مرعوبين، بل عبر أصوات إعلامية حقيقية لا تخاف من الترهيب و لن تتوقف عن فضح التواطؤ ونشر الأدلة بالصوت والأدلة.