مبادرة المغرب لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي: رؤية إستراتيجية لتعزيز الاندماج والتنمية المشتركة

بوشعيب البازي

في خطوة وُصفت بأنها تعكس إرادة سياسية قوية ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى، عبّر وزراء خارجية كل من بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد عن انخراط بلدانهم الكامل في المبادرة التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، والرامية إلى تمكين دول الساحل غير المطلة على البحر من الولوج إلى المحيط الأطلسي.

وخلال اجتماع عُقد على هامش الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، جدد الوزراء التزامهم بتسريع تفعيل المبادرة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية، مشيدين بالدعم الإقليمي والقاري والدولي الواسع الذي تحظى به.

إشادة بدور المغرب كوسيط وشريك

ذكّر الوزراء بالاستقبال التاريخي الذي خصهم به الملك محمد السادس في أبريل الماضي، معتبرين أن هذا اللقاء شكل محطة مفصلية لتجديد انخراط دول الساحل في هذه المبادرة. المبادرة لا تقتصر على فتح منفذ بحري لهذه البلدان، بل تهدف إلى خلق فضاء تنموي مندمج قائم على الازدهار المشترك والاستقرار الإقليمي.

محمد بودن، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الدولية، أوضح أن مواكبة هذه المبادرة تجسد رغبة الدول الأربع في بناء نموذج تعاون متجدد مع المغرب، قائلا إن “المبادرة تخلق منصة مفتوحة في الفضاء الأطلسي، تتيح لأفريقيا الاستفادة من مقدراتها، وتطوير حلول في مجالات الأمن الغذائي والمائي والطاقي”.

أولويات إستراتيجية أربعة

بحسب التحليل ذاته، تسعى المبادرة لتحقيق أربع أولويات محورية:

  1. بناء فضاء أطلسي أفريقي قادر على استيعاب حلول أمنية تعزز الاستقرار.
  2. تمكين دول الساحل من الاستفادة من الميزة التنافسية في سلاسل القيمة العالمية.
  3. إرساء نموذج تنموي مستدام في مجالات الاقتصاد الأخضر والرقمي، ومعالجة قضايا الأمن الغذائي والمائي.
  4. تسويق المنطقة كواجهة اقتصادية وجيواستراتيجية جاذبة في الجنوب العالمي.

من خطاب المسيرة الخضراء إلى دينامية إقليمية

كان الملك محمد السادس قد أعلن هذه المبادرة في خطاب المسيرة الخضراء في نوفمبر 2023، مؤكدا أن نجاحها يمر عبر تأهيل البنيات التحتية لدول الساحل وربطها بشبكات النقل والتواصل، بما يضمن إدماجها في الدينامية البحرية القارية.

وتشير دراسة لمركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي إلى أن المبادرة الأطلسية المغربية تمثل أفقا جديدا لإعادة صياغة التكامل الإقليمي، من خلال خلق فضاء اقتصادي واعد يربط غرب أفريقيا بالمحيط الأطلسي. الدراسة أبرزت أيضا أن دور المغرب يتجاوز موقع “الفاعل المهيمن”، ليجسد “شريكا يوفر الإطار المؤسساتي والضمانات السياسية والدعم التقني”.

نحو فضاء مندمج للتنمية المشتركة

وزير الخارجية التشادي عبد الرحمن غلام الله أكد أن المبادرة “تستجيب لطموحات شعوب الساحل غير المطلة على البحر، وستساهم في تحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة بأكملها”. ومن المقرر أن تعقد فرق العمل الوطنية قريبا اجتماعات تقنية متخصصة لتسريع تنزيل المشاريع المقترحة.

بهذه الدينامية، تبدو المبادرة الملكية المغربية أكثر من مجرد مشروع اقتصادي؛ إنها رؤية جيوإستراتيجية متكاملة تسعى لإرساء فضاء أطلسي أفريقي جديد، قائم على الشراكة والتكامل، يضع التنمية والاستقرار في قلب أولوياته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com