في زمن تتقاطع فيه التحولات الدولية، وتشتد فيه الرهانات المرتبطة بالهوية والانتماء، يبرز اسم الدكتور عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، كأحد العقول الفكرية والسياسية التي اختارت أن تجعل من الوطنية مرجعًا، ومن الجالية المغربية بالخارج قضية مركزية في النقاش العمومي المغربي.
وطنية متجذرة في مشروع فكري
من يقرأ مقالات عبد الله بوصوف المنشورة بانتظام في الصحافة الوطنية والدولية، يدرك أن الرجل لا يتعامل مع الجالية باعتبارها مجرد رقم ديمغرافي أو كتلة اقتصادية مرتبطة بالتحويلات المالية، بل باعتبارها امتدادًا حضاريا وثقافيا للمغرب في العالم.
إقرأ كذلك :
Quand l’opinion publique devient un produit : le jeu croisé des médias et du politique
لقد ظل يؤكد أن الوطنية ليست إقامة جغرافية، بل هي ارتباط وجداني وروحي وثقافي بالوطن الأم، وهو ما يظهر في دعواته المستمرة إلى تعزيز التعليم الديني الوسطي واللغة العربية والأمازيغية في بلدان الإقامة، مع الانفتاح على قيم المواطنة العالمية.
دفاع عن صورة المغرب في الخارج
من موقعه الفكري والمؤسساتي، انخرط بوصوف في معركة الدبلوماسية الموازية دفاعًا عن صورة المغرب في المحافل الأوروبية والدولية، خاصة في القضايا ذات البعد السيادي مثل الصحراء المغربية. مقالاته وتحليلاته لم تكن مجرد مواقف شخصية، بل تعبيرًا عن إستراتيجية تواصلية تروم تفكيك أطروحات الخصوم وتحصين أبناء الجالية من حملات التضليل والإيديولوجيات الانفصالية.
ربط الماضي بالحاضر
في مقالاته التحليلية، يزاوج بوصوف بين قراءة التاريخ المغربي واستحضار اللحظة الراهنة، ليرسم ملامح مستقبل تتعايش فيه الهوية المغربية مع القيم الإنسانية الكونية. فهو يستحضر تجربة التعايش الديني بالمغرب كحجة على قدرة الهوية الوطنية على التكيف، ويربطها بحاجيات الجالية في أوروبا التي تعيش تحت ضغوط الإسلاموفوبيا وصعود الشعبويات.
بين الفكر والمؤسسة
على رأس مجلس الجالية المغربية بالخارج، لم يكتف بوصوف بالخطاب النظري، بل عمل على خلق منصات للنقاش والبحث، وإطلاق مبادرات ثقافية وفكرية تسعى إلى جعل الجالية فاعلًا في التنمية الوطنية. وهو بذلك يجسد رؤية ملكية واضحة تعتبر الجالية ركيزة أساسية في المشروع التنموي والدبلوماسي للمغرب.
إن تجربة عبد الله بوصوف تضعنا أمام نموذج مفكر ومسؤول يوازن بين الانتماء الأكاديمي والالتزام الوطني. وطنيته ليست شعارًا، بل ممارسة يومية في الدفاع عن ثوابت المغرب وفي بناء جسور بين الداخل والخارج. وفي زمن تتعرض فيه الهويات الوطنية لهزات متتالية، يظل صوت بوصوف بمثابة بوصلة فكرية تذكر الجالية بأن الوطنية لا تختزل في الحدود، بل تمتد حيث يوجد المغربي بقيمه، بلغته، وبأمانته التاريخية.