التقدم رهين بالمحاسبة: المغرب بين رهانات التنمية وتحديات مكافحة الفساد

بوشعيب البازي

الرباط – يظل الحديث عن إقلاع المغرب على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مرتبطاً، في جوهره، بمدى القدرة على تكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فالتجارب الدولية، سواء في أوروبا أو آسيا، أثبتت أن أي مشروع تنموي طموح لا يمكن أن يستمر دون آليات صارمة لمساءلة المسؤولين، مهما كانت مواقعهم، ومحاسبة الفاسدين مهما كانت أسماؤهم.

المجلس الأعلى للحسابات: آلية دستورية للمراقبة

في المغرب، يشكل المجلس الأعلى للحسابات إحدى الركائز الأساسية لترسيخ هذا المبدأ. فالمجلس، بمقتضى الدستور والقوانين المنظمة، مكلف بمراقبة المالية العمومية، وتتبع تدبير المؤسسات العمومية والجماعات الترابية، ورصد الاختلالات. غير أن السؤال الذي يتردد بقوة في الساحة العمومية هو ، إلى أي مدى تُترجم تقاريره إلى مساءلات فعلية أمام العدالة، أم أنها تبقى مجرد وثائق تقنية يتداولها الإعلام؟

دروس من التجارب الدولية

في بلدان متقدمة، كثيراً ما نرى وزراء أو مسؤولين كباراً يُستدعون إلى المحاكم أو يُجبرون على الاستقالة بمجرد ظهور شبهات فساد أو سوء تدبير. هذه الممارسات تعكس ثقافة سياسية تقوم على الشفافية والمسؤولية، حيث لا مجال للحديث عن استثناءات أو حصانة غير مبررة. في المقابل، يظل الرأي العام المغربي متعطشاً لمشهد مشابه ، أن يرى مسؤولين ثبت تورطهم في اختلالات تدبيرية أمام القضاء، لا أن يظلوا في مواقعهم دون محاسبة.

التقدم رهين بالثقة

الثقة هي رأس المال الحقيقي لأي مشروع إصلاحي. وحين يشعر المواطن أن المسؤول محمي من المساءلة، فإن الهوة بين الدولة والمجتمع تتسع، مما يضعف أي مجهود تنموي مهما كان طموحه. ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس مجرد شعار سياسي، بل هو شرط موضوعي لتحقيق النمو الاقتصادي العادل، وضمان توزيع منصف للثروات، وحماية المال العام.

نحو مرحلة جديدة

اليوم، المغرب أمام مفترق طرق ، إما الاستمرار في الاكتفاء بالتشخيص دون تنزيل فعلي لمبدأ المحاسبة، وإما الدخول في مرحلة جديدة تجعل من المجلس الأعلى للحسابات سلطة رقابية ذات أثر ملموس، تربط التقارير بالمساطر القضائية، وتحول الفساد وسوء التدبير إلى جرائم يعاقب عليها القانون بشكل صارم.

التنمية ليست مجرد مؤشرات اقتصادية أو مشاريع كبرى، بل هي قبل كل شيء إرساء دولة قانون تجعل كل مسؤول، أياً كان موقعه، عرضة للمساءلة. وإذا أراد المغرب أن يلتحق بركب الدول الصاعدة، فإن الطريق يمر عبر تفعيل شعار لا مسؤولية دون محاسبة، وتحويله من نص دستوري إلى ممارسة يومية تقطع مع الإفلات من العقاب وتضع العدالة فوق الجميع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com