يشهد قطاع الصحافة في المغرب، منذ سنوات، جدلاً متصاعداً حول طبيعة الدعم العمومي الذي تمنحه الدولة للجرائد الوطنية. ففي الوقت الذي يُفترض أن يكون هذا الدعم آلية لإنعاش المقاولات الإعلامية، وضمان تنوع المشهد الصحفي، تحوّل في كثير من الأحيان إلى أداة لإعادة إنتاج نفس المنظومة المهيمنة، حيث تذهب النسبة الأكبر منه إلى مؤسسات كبرى تسير على إيقاع وزارة الاتصال، فيما تُترك الصحف الصغرى والمتوسطة تصارع للبقاء دون حد أدنى من الدعم المالي أو اللوجستي.
تواطؤ النقابات وصمت غير مبرر
المثير للانتباه أنّ النقابات المهنية، التي يُفترض أن تدافع عن الحقوق الجماعية للصحافيين، تبدو وكأنها تساير هذه السياسات بدل مواجهتها. فبما أنها بدورها تستفيد من أشكال مختلفة من الدعم، فإنها نادراً ما ترفع الصوت في وجه القرارات غير العادلة، تاركة المؤسسات الإعلامية الصغرى والمتوسطة تواجه مصيرها وحيدة.
هذه الوضعية تطرح أسئلة جدية حول الدور الحقيقي للنقابات: هل هي للدفاع عن الصحافيين والقطاع برمته، أم لتثبيت مصالح ضيقة تتناقض مع المصلحة العامة؟
التفرقة داخل القطاع: عائق أمام المصداقية
الانقسام الذي يشهده قطاع الصحافة اليوم يضعف مناعة المهنة ويُضعف قدرتها على الترافع. ففي الوقت الذي يحتاج فيه الجسم الصحفي إلى تضامن وتكافل، نجد أن بعض النقابيين يشغلون مواقع حساسة في اللجان التأديبية، وهو تضارب مصالح واضح يفرغ العمل النقابي من جوهره. كيف يمكن لمن يفترض فيه الدفاع عن الصحافي أن يجلس في موقع الحكم عليه؟
فساد بنيوي أم سوء تدبير؟
لا يختلف قطاع الصحافة كثيراً عن قطاعات أخرى تعرف اختلالات وفساداً بنيوياً. غير أن خطورة الأمر هنا تكمن في أن الصحافة هي مرآة المجتمع وصوت المواطن، فإذا انحرفت بوصلتها أو اختنقت مواردها، فإن ذلك ينعكس مباشرة على جودة المعلومة وحرية التعبير. إن استمرار تهميش الصحف الصغرى والمتوسطة لا يحرم الصحافيين من فرص عادلة فحسب، بل يحرم المواطن أيضاً من تعددية حقيقية في الرأي والتحليل.
الحاجة إلى إصلاح جذري
الوضع الحالي يستدعي مراجعة شاملة لآليات الدعم العمومي. فلا يمكن أن يبقى هذا الدعم حكراً على مؤسسات بعينها، بل يجب أن يُوزّع وفق معايير الشفافية والعدالة، بما يضمن إشراك جميع الفاعلين على قدم المساواة. كما يتعين إعادة تحديد أدوار النقابات المهنية بوضوح، وضمان استقلاليتها عن دوائر القرار التي قد تحولها من أداة للدفاع إلى أداة للتقييد.
بين المصلحة الخاصة والعامة
لليوم، لا يزال منطق المصلحة الخاصة يطغى على المشهد، سواء في تدبير الدعم أو في مواقف بعض النقابات. غير أن مستقبل الصحافة المغربية لا يمكن أن يُبنى على حسابات ضيقة، بل على رؤية استراتيجية تُوازن بين الحرية والمسؤولية، وتمنح لكل مؤسسة – كبيرة كانت أو صغيرة – الحق في العمل بشروط موضوعية عادلة.