الحراك الشبابي في المغرب: مطالب مشروعة في مواجهة تحديات داخلية وتربصات خارجية

نادية الواجب

يشهد المغرب في الآونة الأخيرة موجة من التظاهرات الشبابية المتسعة، قادها شباب ينتمون إلى ما يُعرف بـ”جيل Z212″، تعبيرًا عن حالة من الغضب الشعبي المتصاعد، خاصة في ما يتعلّق بملفي الصحة والتعليم. هذا الحراك، الذي يستثمر بقوة وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المشاركين والتعبئة، يعكس تنامي الوعي المجتمعي بضرورة التغيير، لكنه في الآن ذاته يطرح تساؤلات عميقة حول قدرة الحكومة على مواكبة تطلعات المواطنين، وسبل منع الانزلاق نحو الفوضى في ظل وجود جهات تعمل على استغلال هذه اللحظة لزعزعة الاستقرار الداخلي.

تحرك واسع… ولكن دون أفق سياسي واضح

انطلقت التظاهرات من وجدة شرقًا، وامتدت إلى مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، وأكادير، ما يؤكد البعد الوطني لهذا الحراك. غير أن ما يميزه حتى الآن هو غياب الأفق السياسي المنظم أو القيادة الواضحة، ما يتركه عرضة للاختراق أو التوظيف الخارجي والداخلي.

ورغم أن المطالب تتمحور حول تحسين الخدمات العمومية في قطاعي التعليم والصحة، إلا أن خلف هذه المطالب رسالة أعمق، تعكس خيبة أمل شريحة واسعة من الشباب المغربي من أداء الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، الذي تولى المسؤولية منذ ثلاث سنوات وسط وعود بإحداث تغيير جذري مقارنة بالحكومتين السابقتين لحزب العدالة والتنمية.

الحكومة تحت المجهر: فجوة في الأداء والتواصل

تتعرض حكومة عزيز أخنوش لانتقادات متزايدة بسبب فشلها، حسب مراقبين، في التفاعل الفعّال مع الأولويات الاجتماعية، وعلى رأسها التعليم العمومي والصحة العمومية. ففي الوقت الذي تستثمر فيه الدولة مبالغ ضخمة في البنية التحتية، استعدادًا لاحتضان أحداث رياضية كبرى مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، يشعر المواطن العادي أن القضايا اليومية لا تحظى بالاهتمام الكافي.

تشير شهادات ميدانية من مواطنين إلى معاناة حقيقية ، مدارس عمومية تعاني من الاكتظاظ، خدمات طبية متواضعة، وصعوبة الولوج إلى العلاجات الأساسية. وفي المقابل، تتزايد كلفة المدارس والعيادات الخاصة، مما يعمّق الإحساس بانعدام العدالة الاجتماعية ويكرّس الفوارق الطبقية.

وقد ساهم ضعف التواصل الحكومي مع الشارع، لا سيما من طرف رئيس الحكومة الذي يُنظر إليه على أنه بعيد عن نبض المواطن، في تأجيج الأزمة. غياب تفسيرات رسمية واضحة ومقنعة حول هذا “التقصير” غذّى الإحساس بالإحباط الجماعي.

ما بين المطالب المشروعة ومحاولات التخريب

رغم الطابع السلمي لغالبية التحركات، إلا أن دخول عناصر مشبوهة على الخط ومحاولاتها حرف مسار التظاهرات نحو التخريب والاشتباك مع الأمن، يثير مخاوف حقيقية من انزلاق الوضع. وقد سجلت بعض المدن حالات اعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، في مشهد لا يخدم بأي حال القضايا العادلة التي خرج الشباب من أجلها.

وتؤكد السلطات، وفق تصريحات رسمية، أن تدخلات القوات العمومية تمت في إطار احترام القانون ووفق مبدأ التدرج، بما يضمن التوازن بين حماية النظام العام وصيانة الحريات، كما ينص عليه الفصلان 21 و29 من الدستور المغربي.

المتربصون بالداخل والخارج: استغلال اللحظة

لا تخفى على المتابعين المحاولات الخارجية لتضخيم الأحداث، وعلى رأسها بعض وسائل الإعلام الأجنبية التي تروج لروايات غير دقيقة، بل أحيانًا مغرضة. نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية مؤخرًا ستة مقالات متتالية، حملت اتهامات ضمنية وغير مستندة إلى وقائع موثقة، ما اعتبره العديد من المراقبين حملة إعلامية تهدف إلى التأثير على صورة المملكة واستقرارها.

إلى جانب ذلك، يُلاحظ سعي النظام الجزائري وبعض الدوائر الإقليمية إلى استغلال أي توتر داخلي مغربي، في إطار الصراع الجيوسياسي المفتوح، خاصة في ظل نجاح الرباط في تحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية واستراتيجية على أكثر من صعيد، وتحولها إلى شريك دولي موثوق في ملفات الهجرة، الأمن، والطاقة.

بين الصحة والتعليم… والبنية التحتية الكبرى

لا شك أن المغرب أحرز تقدمًا كبيرًا في مشاريع البنية التحتية ،من شبكة القطارات الفائقة السرعة، إلى الموانئ المتطورة، والملاعب الرياضية ذات المواصفات العالمية. لكن هذا التقدم يجب أن يترافق مع استثمار موازٍ في الرأسمال البشري، خصوصًا في التعليم العمومي والصحة العمومية.

لقد أكد الملك محمد السادس في خطابات متكررة على أهمية تمكين الشباب المغربي من تعليم حديث، منفتح على اللغات، ومرافق صحية تضمن الكرامة والعدالة. وبالتالي، فإن التأخر في تنزيل هذه التوجيهات من طرف الحكومة الحالية، يُعد خللًا وجب تصحيحه بشكل عاجل.

فرصة للإصلاح لا للانقسام

الأحداث التي يعيشها المغرب اليوم، على خطورتها، تشكل في العمق جرس إنذار لا يجب أن يُقابل بالقمع أو النكران، بل بالاستجابة الذكية والفعالة. إن الاعتراف بوجود فجوة اجتماعية حقيقية، وتحمل المسؤولية السياسية في معالجتها، هو المدخل الوحيد للحفاظ على الاستقرار وتعزيز الثقة في المؤسسات.

كما أن فصل المطالب المشروعة عن الأجندات التخريبية، والتصدي لحملات التضليل الخارجي، يمثلان ركيزتين أساسيتين لحماية مكتسبات المملكة، وتجنيب البلاد منزلقات لا تخدم مستقبلها، خصوصًا وهي تقف على أعتاب تحولات استراتيجية مهمة.

إن رفع مستوى أداء المدرسة والمستشفى العموميين، وتعزيز قنوات التواصل بين الحكومة والمواطن، أصبح ضرورة وطنية ملحّة، للحفاظ على مغرب متماسك، مستقر، وواعد، كما أراده الملك وكما يستحقه شعبه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com