من التمرد إلى الإرهاب: عصابة البوليساريو تدخل مرحلة الفوضى المسلحة في تندوف
بوشعيب البازي
شهدت مخيمات تندوف جنوب الجزائر خلال الساعات الأخيرة تطوراً خطيراً ينذر بانفلات أمني شامل، بعدما أقدمت مجموعة مسلحة تابعة لما يُعرف بـ”جبهة البوليساريو” على تنفيذ هجوم مسلح استهدف عمالاً تابعين لشركة CRCC الصينية، المكلّفة بإنجاز مشروع السكة الحديدية الرابطة بين تندوف وغار جبيلات، أحد المشاريع الاقتصادية الإستراتيجية بالنسبة للجزائر.
الهجوم الذي وقع، وفق مصادر ميدانية، في الطريق الرابط بين مخيم الداخلة والرابوني، لم يكن حادثاً معزولاً، بل حلقة جديدة في سلسلة من التوترات التي تعصف بالمخيمات، حيث عمدت العصابة إلى الاستيلاء بالقوة على سيارة من نوع “تويوتا” تابعة للشركة الصينية، قبل أن تفرّ بها نحو مخيم السمارة. المثير في الحادث هو أن المركبة المسروقة تمكنت من المرور عبر عدة نقاط تفتيش أمنية وعسكرية دون اعتراض، ما طرح تساؤلات جدية حول طبيعة التنسيق الأمني داخل هذه المنطقة المغلقة التي تخضع عملياً لسيطرة البوليساريو، وتُعتبر على الورق منطقة جزائرية.
فوضى السلاح… وسقوط وهم “القيادة”
الحادث، الذي وصفه ناشطون بأنه غير مسبوق وخطير، أعاد إلى الواجهة حالة التسيب الأمني داخل المخيمات، حيث تتنامى أنشطة التهريب، وتجارة السلاح، والجريمة المنظمة.
تؤكد شهادات متقاطعة أن عناصر البوليساريو فقدت السيطرة على جزء من المجموعات المسلحة، التي باتت تتحرك خارج أي تسلسل قيادي، وتتعامل بمنطق العصابات الإجرامية، ما جعل بعض المراقبين يتحدثون صراحة عن تحول الجبهة إلى تنظيم ذي سلوك إرهابي.
ففي الوقت الذي تسعى فيه الجزائر لتسويق مشروعها الاقتصادي الضخم بين تندوف وغار جبيلات كـ”واجهة للتنمية في الجنوب”، فإنها تجد نفسها اليوم رهينة فوضى أمنية خلقتها بأيديها، بعدما سلّمت مفاتيح المنطقة لتنظيم لا يعترف لا بالقانون الدولي ولا بالسيادة الجزائرية ذاتها.
تكتم رسمي… وحرج سياسي
اللافت أن السلطات الجزائرية حاولت التستر على الحادث، تجنباً لتداعياته الإعلامية والسياسية، خصوصاً أنه يأتي في ظل تصدع العلاقات بين الجزائر وقيادة البوليساريو، بعد تزايد الانتقادات داخل الأوساط الجزائرية لتكلفة “الوصاية” على الجبهة، سواء مالياً أو سياسياً.
ويرى محللون أن هذا التعتيم لا يخفي فقط حجم الإخفاق الأمني، بل يكشف عمق الأزمة التي تعيشها الجزائر في إدارة ملف تندوف، حيث تحوّلت المخيمات إلى بؤر غير خاضعة لأي سلطة حقيقية، بينما تكتفي الأجهزة الرسمية بترديد خطاب “حق تقرير المصير” في المحافل الدولية.
البوليساريو… من مشروع سياسي إلى خطر إرهابي
إنّ حادثة الهجوم على الشركة الصينية تُمثّل، في نظر العديد من المراقبين، منعطفاً حاسماً في مسار البوليساريو، التي انتقلت من حركة انفصالية إلى جماعة مسلحة تمارس الإرهاب ضد المدنيين والمستثمرين الأجانب.
هذه التطورات لا يمكن فصلها عن تصاعد أنشطة الجبهة في منطقة الساحل، حيث تم توثيق تعاون بين عناصرها وبعض التنظيمات الإرهابية الناشطة في مالي والنيجر.
وهو ما يطرح سؤالاً محورياً أمام المجتمع الدولي: هل ما زال التعامل مع البوليساريو ككيان سياسي مقبولاً، بعد أن تحولت إلى خطر أمني على الاستقرار الإقليمي؟
حادثة تندوف ليست مجرد واقعة أمنية عابرة، بل جرس إنذار مدوٍّ يؤكد أن الجبهة التي طالما قدّمت نفسها كـ”حركة تحرر”، باتت اليوم تنظيمًا مسلحًا خارج السيطرة.
وبين تكتم السلطات الجزائرية وصمت المنتظم الدولي، يتجه الوضع في تندوف نحو منطقة رمادية تجمع بين التمرد المسلح والإرهاب العابر للحدود، في وقت باتت فيه مشاريع التنمية وحتى حياة المدنيين رهينة لعصابة فقدت كل شرعية سياسية أو أخلاقية.