من نيويورك إلى تندوف.. صوت جديد يكسر صمت الصحراء

مجدي فاطمة الزهراء

في مشهد دبلوماسي غير مألوف داخل أروقة الأمم المتحدة، علت هذا الأسبوع أصواتٌ صحراوية مختلفة عن المعتاد. لا شعارات انفصالية، ولا خطابات مشحونة بالعداء، بل دعوة صريحة إلى الحوار، وإلى إغلاق نصف قرن من التيه والجمود.

حركة “صحراويون من أجل السلام”، التي وُلدت من رحم الانقسام داخل جبهة بوليساريو، حملت إلى اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة خطاباً جديداً، يبتعد عن لغة الحرب ويقترب من الواقعية السياسية، واضعة على الطاولة ما يمكن وصفه بأنه أول مشروع صحراوي مستقل من داخل الجسم الانفصالي يعترف بمبادرة الحكم الذاتي المغربية كأفقٍ للحل.

دعوة إلى كسر الجمود

قال أحمد باريكلي، الكاتب الأول للحركة، في كلمته أمام اللجنة، إن الوقت قد حان “لطيّ صفحة نصف قرن من المعاناة”، مؤكداً أن الحركة لا تتحدث باسم بوليساريو ولا باسم أي طرف خارجي، بل “باسم الصحراويين المتعبين من الحرب والمنفى”.

وأضاف: “نحن جيلٌ يريد أن يورّث أبناءه السلام لا الخيام، وأن يكتب فصلاً جديداً من الأمل بدل تكرار مأساة اللاجئين.”

بهذا الخطاب، تحاول الحركة تقديم نفسها كقوة ثالثة، تسعى إلى تجاوز الثنائية التي فرضها الصراع منذ السبعينات بين المغرب وبوليساريو. فبالنسبة لباريكلي، الوقت لم يعد يسمح بالمزايدات ولا بالمواقف المتصلبة، لأن الأجيال الجديدة داخل المخيمات “ترفض أن تبقى رهينة خطابٍ يستهلك الزمن دون أن يقدّم بديلاً للحياة”.

واقعية سياسية جديدة

من جهته، قدّم محمد شريف، مسؤول العلاقات الخارجية للحركة، تصوراً متقدماً لنظامٍ خاص بإقليم الصحراء تحت السيادة المغربية، قائلاً إن المشروع “يحترم رموز المملكة، ويضمن في الوقت ذاته للصحراويين مؤسساتٍ تشريعية وتنفيذية وقضائية منتخبة وفقاً لمعايير الحكم الذاتي المتعارف عليها دولياً”.

وأوضح أن هذا النموذج تم تفصيله خلال المؤتمر الثاني للحركة في دكار سنة 2023، ليصبح بمثابة “الميثاق الأعظم للصحراويين”، القادر على تحقيق مصالحة تاريخية بين أبناء الصحراء أنفسهم، وإعادة آلاف العائلات إلى أرضها بعد عقود من التشتت والانتظار.

من تندوف إلى المستقبل

تأتي مداخلات قادة “صحراويون من أجل السلام” في وقتٍ تتصاعد فيه أصوات الغضب داخل مخيمات تندوف، حيث تفيد تقارير دولية بوجود حالة احتقانٍ غير مسبوقة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وغياب الأفق السياسي.

هذه التطورات تعزز من مكانة الحركة كفاعلٍ جديد بدأ يفرض نفسه كبديلٍ واقعي لجبهةٍ فقدت البوصلة والدعم الشعبي معاً.

وبينما تتشبث الجزائر بخيار الانفصال، يختار هؤلاء الصحراويون طريقاً آخر، أكثر براغماتيةً وإنسانية، قوامه العودة إلى الأرض والانخراط في التنمية، بدل البقاء أسرى شعاراتٍ مجرّدة.

حكم ذاتي يحظى بدعم دولي متزايد

أكثر من 123 دولة، تمثل ما يزيد على 60 في المئة من أعضاء الأمم المتحدة، أعلنت دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007، معتبرة إياها الإطار الأكثر جدية وواقعية لإنهاء النزاع.

وتنضم حركة “صحراويون من أجل السلام” اليوم إلى هذا الاتجاه الدولي، مقدّمةً صوتاً داخلياً يعيد تعريف معنى “التمثيلية الصحراوية”، ويمنح القضية وجهاً جديداً يتحدث بلغة العصر لا بلغة الخنادق.

نهاية زمن الشعارات

ربما لا تملك حركة “صحراويون من أجل السلام” بعدُ الوزن السياسي أو الميداني لجبهةٍ عاشت نصف قرن بدعمٍ خارجي، لكنها تمتلك ما هو أهم: الشرعية الأخلاقية لتمثيل جيلٍ يريد أن يعيش، لا أن يُستَخدم.

في أروقة الأمم المتحدة، بدا واضحاً أن هذا الصوت الجديد لم يعد يمكن تجاهله، لأنه ببساطة يعكس حقيقة ميدانية تتشكل بصمت: انهيار خطاب الانفصال، وصعود إرادة الحياة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com