البرلمان المغربي أمام اختبار الإصلاح: عامٌ أخير تحت ضغط الشارع ووعودٍ مؤجلة

حنان الفاتحي

يدخل البرلمان المغربي موسمه التشريعي الجديد في أجواء استثنائية، تتقاطع فيها مطالب الشارع الشبابي، وهاجس الإصلاح المتأخر، وضغط الزمن السياسي.

فبعد أربع سنوات من الولاية الحكومية الحالية، يجد المشرّع نفسه أمام تركة ثقيلة من الملفات المعقدة التي تمسّ حياة المواطن اليومية، في مقدّمتها التعليم والصحة والتشغيل، وهي القطاعات التي تحوّلت إلى معيارٍ حقيقي لقياس مدى مصداقية الخطاب السياسي في المغرب.

جيل “زاد”.. إشارات إنذار من الشارع

تزامناً مع انطلاق الدورة الخريفية، أعادت حركة “جيل زاد” الشبابية تحريك المياه الراكدة داخل المشهد السياسي، مُطلقةً نداءً صريحاً إلى تجديد العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.

فالحركة، التي تُعبّر عن فئة عمرية محبطة من البطالة وغلاء المعيشة وتراجع الثقة في المؤسسات، لم تأتِ من فراغ، بل من إحساس متزايد بأن الإصلاحات الكبرى تسير ببطءٍ لا يوازي حجم الانتظارات.

الحكومة، من جهتها، تدرك أن تجاهل هذا المزاج الاجتماعي لم يعد خياراً ممكناً، خصوصاً مع اقتراب نهاية ولايتها، ما يجعلها مطالبة بإظهار نتائج ملموسة على الأرض قبل فوات الأوان.

ملفات ثقيلة على طاولة التشريع

تواجه المؤسسة التشريعية هذا الموسم حزمة مشاريع قوانين وُصفت بـ”المهيكلة”، لكونها ترسم ملامح المستقبل الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

فإلى جانب مشروع قانون المالية الذي سيحدّد أولويات الإنفاق العام، هناك ملفات مدونة الشغل، وصناديق التقاعد، ومدونة الانتخابات، وإصلاح المنظومتين الصحية والتعليمية، وهي ملفات تتطلب توافقاً سياسياً واسعاً يتجاوز منطق الأغلبية والمعارضة.

ويرى مراقبون أن البرلمان سيكون مطالباً، ليس فقط بالمصادقة على النصوص، بل بإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات، في ظل مؤشرات تراجع غير مسبوقة في المشاركة السياسية والانخراط الحزبي.

بين الطموح الحكومي والواقع الاجتماعي

مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أكد أن الدورة الحالية ستعرف حضور وزراء القطاعات الاجتماعية الأساسية لمناقشة أولويات الإصلاح، في وقت شدّد فيه رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، محمد شوكي، على أن الحكومة “تعتمد مخططاً تشريعياً استباقياً” يهدف إلى تجاوز الحسابات الانتخابية الضيقة.

لكن هذه اللغة الرسمية لم تُقنع الجميع. فالباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير ترى أن “الرهان الحقيقي اليوم هو تجاوب المؤسسة الملكية مع انتظارات المواطنين، من خلال توجيهات الخطاب الملكي الافتتاحي”، مشيرةً إلى أن “الإصلاح في قطاعات استراتيجية كالصحة والتعليم والتشغيل ليس قراراً تقنياً، بل اختبار لإرادة سياسية حقيقية”.

وأضافت لموير أن “الشارع لم ينسَ الوعود التي رفعتها الأحزاب الحاكمة خلال الانتخابات، خصوصاً حزب التجمع الوطني للأحرار الذي رفع سقف التطلعات عالياً، دون أن يوازي ذلك إنجازٌ ملموس على مستوى التشغيل والقدرة الشرائية”.

من داخل البرلمان: أصوات نقدية ومقاربات مختلفة

رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، دعا إلى تقييم موضوعي للأداء الحكومي، قائلاً إن “التحدي ليس فقط في إصدار القوانين، بل في مدى تجاوب الحكومة مع المبادرات النيابية ومع تقارير مؤسسات الحكامة والمجتمع المدني”.

أما البرلماني السابق عمر بلافريج، فذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن أي نموذج تنموي جاد يجب أن يبدأ من إصلاح حقيقي لقطاعي التعليم والصحة، مشدداً على ضرورة اعتماد ضريبة على الثروة لتقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق عدالة جبائية منصفة.

الوقت يداهم الأغلبية

تدرك الأغلبية الحكومية أن العام التشريعي الحالي هو الفرصة الأخيرة لإنقاذ رصيدها السياسي قبل الدخول في سنة انتخابية جديدة. فالإصلاحات التي تأخرت أربع سنوات لا يمكن ضغطها في أشهر معدودة، ما يثير التساؤل: هل يمكن ترجمة الشعارات إلى سياسات واقعية؟

الوزير المكلّف بالاستثمار، كريم زيدان، رفض منطق “فشل الأغلبية”، مؤكداً أن “الحكومة تعمل في ظروف صعبة، لكنها تمتلك الموارد البشرية والمادية لتدارك التأخر وتنفيذ الإصلاحات الموعودة.”

رهان المصداقية قبل الصناديق

في النهاية، لا يبدو أن التحدي الحقيقي أمام البرلمان المغربي هو تمرير القوانين، بل استعادة المصداقية السياسية في نظر المواطن.

فالمغاربة، بعد سنوات من الوعود والخطابات، ينتظرون اليوم نتائج ملموسة: مدارس بجودة أفضل، مستشفيات تليق بكرامة الإنسان، وشغل كريم يفتح باب الأمل لجيلٍ فقد ثقته في السياسة.

وما بين قاعة البرلمان وصوت الشارع، سيُحسم مستقبل هذه الولاية ،  إما في اتجاه ترسيخ الثقة، أو نحو مزيد من المسافة بين المواطن والدولة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com