جيل Z في بروكسيل… حين يخرج الصمت إلى الشارع

بوشعيب البازي

في ساحةٍ رمزية بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، وقف العشرات من الشباب والشابات، أغلبهم من جيلٍ وُلد في الألفية الجديدة، رافعين لافتاتٍ تُطالب بالصحة، والتعليم، ومحاربة الفساد. وقفةٌ بدت في ظاهرها بسيطة، لكنها تحمل في عمقها رسالة جيلٍ يرفض أن يظل متفرجاً على عالمٍ ينهار أمام عينيه.

هؤلاء هم جيل Z، أبناء الإنترنت والعالم المفتوح، الذين كبروا على وقع الأزمات المتلاحقة ،أزمة المناخ، الجائحة، البطالة، وتراجع الثقة في المؤسسات. جيلٌ متعلم، متصل، لكنه في الآن ذاته يشعر بالخذلان من حكومات تتحدث كثيراً عن الديمقراطية، لكنها تغفل عن العدالة الاجتماعية.

احتجاج رقمي على أرض الواقع

لم يكتفِ شباب بروكسيل بالنشر على “إنستغرام” و”تيك توك” كما اعتادت الأجيال السابقة أن تتهمهم. لقد نزلوا إلى الميدان، في مشهدٍ يعيد إلى الذاكرة روح الاحتجاج الطلابي في أوروبا خلال ستينيات القرن الماضي، لكن بأدواتٍ جديدة:

هواتفٌ توثّق، تغريداتٌ تعب mobilisées، ووعيٌ جماعي يتشكل بعيداً عن الأحزاب التقليدية.

شعاراتهم كانت واضحة:

“الصحة حق، لا امتياز.”

“التعليم للجميع، لا للنخب.”

“لا فساد بعد اليوم.”

تبدو الجمل بسيطة، لكنها تختزل إحباطاً عميقاً من واقعٍ بات فيه الطبيب سلعةً نادرة، والمدرسة ساحةً للتفاوت الطبقي، والسياسة مرادفاً للصفقات.

جيل ما بعد الصمت

يرى المراقبون أن ما يحدث في بروكسيل ليس مجرد حدثٍ محلي، بل هو جزء من موجة عالمية يقودها جيل Z، الذي لم يعد يكتفي بالمشاهدة. هذا الجيل يستخدم أدواته الخاصة لتغيير المعادلة،  من حملات الضغط الرقمية إلى التعبئة الميدانية، مروراً بإبداع أشكالٍ جديدة من المقاومة المدنية، تجمع بين الفن والسياسة والوعي البيئي.

في حديثٍ مع بعض المشاركين، عبّر شابٌ في العشرين من عمره قائلاً:

“نحن لسنا ضد الدولة، نحن ضد الصمت. نريد أن نعيش في بلدٍ يحترم ذكاءنا وطموحنا، لا أن يعاقبنا على أحلامنا.”كلماتٌ تلخص جوهر الحركة: ليست تمرداً، بل محاولة لإنقاذ ما تبقّى من ثقة في المستقبل.

صرخة تتجاوز الحدود

الوقفة التي نظمتها تنسيقية شبابية مستقلة، وجدت صدىً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ تفاعل معها شباب من مدن أوروبية أخرى. واللافت أن الشعارات لم تكن موجهة ضد حكومةٍ بعينها، بل ضد منطقٍ عالمي يُفرغ السياسات من مضمونها الإنساني.

في عالمٍ يزداد اتساعاً بين الغني والفقير، وبين من يملك المعلومة ومن يُستبعد منها، يبدو أن جيل Z قرر أن يُعيد تعريف السياسة من جديد، سياسةٌ تبدأ من الجسد، من الصحة، من المدرسة، من الحياة اليومية.

ما حدث في بروكسيل ليس مجرد وقفة احتجاجية، بل إعلان ولادةٍ سياسيةٍ جديدة لجيلٍ طال صمته. جيلٌ لا يملك مقاعد في البرلمان، لكنه يملك المنصات والوعي والإصرار.

جيلٌ يقول للعالم بجرأة: “كفى كلاماً، نريد أفعالاً.”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com