المغاربة المقيمون بالخارج بين الاعتزاز بالوطن ومعاناة القنصليات: مطلب الإصلاح يطرق الأبواب
مجدي فاطمة الزهراء
في وقت تتعاظم فيه أدوار الجالية المغربية المقيمة بالخارج، اقتصادياً وثقافيا واجتماعياً، تعود من جديد إلى واجهة النقاش قضية جودة الخدمات القنصلية وضعف تجاوب بعض المسؤولين مع احتياجات المواطنين المغاربة في المهجر، وهو ما دفع عدداً من البرلمانيين إلى مطالبة الحكومة بتقوية أداء القنصليات وتحديث طرق تدبيرها.
الوثيقة التي حصلت عليها الجريدة، وهي سؤال كتابي وجهه النائب البرلماني أحمد العبادي عن فريق التقدم والاشتراكية إلى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، تضع الأصبع على الجرح:
رغم التحولات الكبرى التي عرفتها الجالية المغربية وتنوع أجيالها واهتماماتها، ما تزال بعض القنصليات، بحسب النائب، تتعامل بعقلية إدارية متجاوزة، تجعل المواطنين في الخارج يواجهون صعوبات في أبسط الخدمات الإدارية، مثل تجديد الوثائق الرسمية أو الحصول على الدعم في الحالات الطارئة.
تحولات الجالية تستدعي دبلوماسية قنصلية جديدة
يؤكد السؤال البرلماني أن أجيال المهاجرين الجدد لم تعد تبحث فقط عن قضاء مصالحها الإدارية، بل تطمح إلى شراكة حقيقية مع مؤسسات الدولة في مجالات الثقافة، والهوية، والانفتاح، والانخراط في مسارات التنمية بالمغرب.
لكن هذه الطموحات تصطدم أحياناً بواقعٍ إداريٍّ بطيء يفتقر إلى التواصل والاحترافية، وهو ما يُفقد الثقة في بعض القنصليات التي لا تواكب دينامية التحول داخل الجالية المغربية.
بيروقراطية بروكسيل نموذجاً
النائب البرلماني أحمد العبادي أشار تحديداً إلى سلوك أحد المسؤولين بإحدى القنصليات المغربية ، الذي اتُّهم بالتماطل في الاستجابة لطلبات المواطنين، رغم تكرار شكاياتهم. ويُعد هذا المثال، بحسبه، دليلاً على استمرار بعض الممارسات البيروقراطية التي تُسيء إلى صورة الإدارة المغربية بالخارج.
وهو ما يطرح، بحدة، سؤال المراقبة والمساءلة داخل شبكات القنصليات المنتشرة في مختلف القارات.
من الإدارة إلى الخدمة العمومية المواطِنة
يتجه الخطاب البرلماني اليوم نحو تحويل العمل القنصلي من أداء إداري جامد إلى خدمة مواطِنة شاملة، تدمج البعد الإنساني والاجتماعي في التعامل مع الجالية.
فالقنصليات ليست فقط مكاتب لتصحيح الإمضاءات أو تسليم الجوازات، بل هي جسور رمزية تربط المغاربة في المهجر بوطنهم الأم، وتعكس صورة المغرب في الخارج من حيث الكفاءة، والشفافية، وجودة الاستقبال.
ضرورة إصلاح بنيوي ومقاربة إنسانية
إن تحسين الخدمات القنصلية لا يمكن أن يتم بقرارات ظرفية، بل يحتاج إلى إصلاح بنيوي يشمل التكوين المستمر للأطر القنصلية، واعتماد الرقمنة الشاملة للخدمات، مع وضع آليات واضحة لتقييم الأداء ومساءلة المقصرين.
كما أن تجارب بعض القنصليات المغربية في أوروبا أظهرت أن الانفتاح والتواصل مع جمعيات الجالية يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لتحسين الأداء وتجاوز منطق المركزية الإدارية.
الوجه الخارجي للمغرب يبدأ من نوافذه القنصلية
الجالية المغربية، التي تُعد من أكبر الجاليات في العالم وأكثرها ارتباطاً بوطنها، تستحق إدارة قنصلية تعكس طموحاتها وتواكب تحوّلاتها.
إن تقوية هذه القنصليات لا يعني فقط تحسين الخدمات، بل هو رهان وطني على كسب ثقة ملايين المغاربة في الخارج، لأن صورة الوطن تبدأ من سلوك موظفٍ قنصلي، ومن كفاءة إدارةٍ تُجسّد قيم الانتماء والاحترام.