تحالف حكومي يترنّح على وقع قانون المالية… ووزراء الأحرار تحت القصف الحزبي المنزلي
كما كان متوقعا، بدأت ملامح الانفجار السياسي البارد تتشكل داخل الأغلبية الحكومية، التي لم تعد تُخفي تصدّعاتها الداخلية، خصوصا مع التحول المفاجئ لحزب الأصالة والمعاصرة من شريكٍ في الحكم إلى معارض من داخل البيت. نعم، من الداخل… فالحزب الذي جلس على كراسي السلطة منذ بداية الولاية، قرر اليوم أن يجرب أريكة المعارضة، دون أن يغادر القاعة!
البام في دور الضحية… بعد أربع سنوات من المشاركة الفاعلة في الفشل
مصادر مطلعة كشفت أن قيادة “الأصالة والمعاصرة” وزعت على برلمانييها تعليمات الصعود إلى المنبر والتصعيد في الخطاب، خصوصاً خلال جلسات الأسئلة الشفوية الموجهة إلى وزراء التجمع الوطني للأحرار. الهدف المعلن، التمايز عن الصورة المتداعية للحكومة. أما الهدف الخفي، فهو تلميع الذات قبل موسم الانتخابات، بعد أن أصبح واضحاً أن السفينة الحكومية تُبحر وسط عاصفة الغلاء والاحتقان الشعبي.
اللافت أن هذه “الصحوة السياسية المتأخرة” تأتي بعد أربع سنوات من المشاركة النشيطة في اتخاذ كل القرارات التي يُحاول الحزب الآن التبرؤ منها. وهكذا وجدنا أنفسنا أمام مشهد عبثي، يهاجم فيه الوزير زميله الوزير، ويعترض البرلماني على قرارات حزبه، بينما المواطن يتابع المشهد بابتسامة ساخرة ممزوجة بالمرارة.
قانون المالية… قنبلة الأغلبية الموقوتة
التوتر بين “البام” و”الأحرار” تجاوز مرحلة التلميح. فبحسب مصادر من داخل الأغلبية، فإن قانون المالية 2025 مرشّح ليكون الامتحان الأخير للانسجام الحكومي.
الأحزاب الثلاثة – الأحرار، البام، الاستقلال – تتسابق اليوم لتلميع صورتها من خلال بنود القانون، وكأننا أمام حملة انتخابية مبكرة أكثر منها عملية إعداد لميزانية دولة.
رئيس الحكومة عزيز أخنوش يعيش، وفق تعبير أحد البرلمانيين، “توترًا صامتًا” وهو يراقب شركاءه يتحولون إلى خصوم. فالكل يريد أن يخرج من التجربة الحكومية بأقل الخسائر الممكنة، ولو على حساب صورة الحكومة نفسها.
الأحرار… من قيادة التنمية إلى قيادة الأعذار
أما حزب التجمع الوطني للأحرار، فقد بات يواجه أزمة عنوانها الكبير: الفشل في التسيير رغم السيطرة على مفاصل الحكومة. الوعود التي رفعتها الآلة الانتخابية للأحرار عام 2021 تحوّلت اليوم إلى أرقام فارغة في دفاتر الوزراء.
“الكرامة” و“الازدهار” و“فرصة لكل مغربي” صارت شعارات معلّقة على جدران مقرات حزبية مغلقة، بينما الواقع يصرّ على تقديم روايته المغايرة، غلاء، بطالة، خدمات عمومية في حالة غيبوبة، وبرلمان يصفق بلا اقتناع.
وصايا ملكية… في سلة الإهمال
في خضم هذا العبث السياسي، يأتي الخطاب الملكي ليذكّر الجميع بوصايا واضحة: الوطن فوق الحزب، والمواطن قبل الحسابات السياسوية.
لكن يبدو أن بعض مكونات الأغلبية قررت وضع هذه الوصايا على رفّ النسيان، منشغلة أكثر بتلميع الصور وتوزيع الاتهامات.
المؤسف أن هذا الانفلات داخل الأغلبية لا يعكس فقط أزمة انسجام، بل غياب الحس الوطني المشترك الذي كان يُفترض أن يميّز حكومة جاءت بشعار “العمل من أجل المواطنين”.
المغاربة فهموا اللعبة… ولن تُعاد المشاهد
ما يجري اليوم داخل الأغلبية لا يحتاج إلى تحليلات مطولة: الأمر ببساطة محاولة للهروب من السفينة الغارقة. لكن ما لا يدركه “البام” و“الأحرار” ورفاقهما، هو أن الشارع المغربي لم يعد يشتري هذه المسرحيات السياسية الرخيصة. فالناخب الذي جرّبهم مجتمعين، يعرف جيداً أن من صنع القرار لا يمكنه أن يدّعي البراءة من نتائجه.
لقد تحوّل التحالف الحكومي إلى تحالفٍ للمصالح، وفقد مشروعه الوطني بوصلته منذ أن أصبح كل وزيرٍ يفكر في حملته المقبلة بدل مسؤوليته الحالية. ووسط كل هذا الضجيج السياسي، يظل السؤال الحقيقي معلّقاً في هواء البرلمان، من سيهتم بالمغاربة بينما الأحزاب مشغولة بالنجاة من الفشل الذي صنعته بأيديها؟