في مشهدٍ أصبح مألوفًا للمراقبين، تتواصل الحرب السياسية والإعلامية العلنية التي تشنها الجزائر على المغرب، حربٌ لم تعد تخفى على أحد، إذ أصبحت المملكة المغربية هاجسًا دائمًا لصنّاع القرار في قصر المرادية، ومادة يومية للإعلام الجزائري الذي يعيش على تغذية خطاب العداء والتحريض.
لقد تحول “العداء للمغرب” من موقف سياسي إلى منظومة فكرية داخل مؤسسات الدولة الجزائرية، تُضخ فيها مليارات الدولارات، لا بهدف تطوير البلاد أو تحسين وضع المواطن الجزائري، بل من أجل محاصرة المغرب، والتشويش على إنجازاته الدبلوماسية، وضرب مصالحه الحيوية على المستويين الإقليمي والدولي.
من العداء السياسي إلى التحريض العلني
لم يعد الأمر يقتصر على الحملات الإعلامية الممنهجة، أو على تسخير قنوات رسمية لتشويه صورة المغرب، بل وصل إلى تحريض مباشر ضد مؤسسات الدولة المغربية. تصريحات متتالية لمسؤولين جزائريين تتحدث صراحة عن “محاصرة القصر الملكي” أو “كسر النفوذ المغربي في إفريقيا”، بل وتحويل المغرب إلى العدو الخارجي الذي يبرر به النظام الجزائري فشله الداخلي وتناقضاته الاقتصادية والسياسية.
الأخطر أن الجزائر انتقلت من الخطاب العدائي إلى تعبئة ممنهجة عبر “ذئابها الإلكترونية” — جيش من الحسابات الوهمية والصحفيين المأجورين — الذين أوكلت إليهم مهمة استهداف الرموز المغربية، وترويج الإشاعات، ومحاولة إفشال الأحداث الرياضية الكبرى التي يترقبها العالم، وعلى رأسها كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم.
في هذا السياق، لم يُخفِ مسؤولون جزائريون سعيهم الدؤوب إلى منع المغرب من تنظيم كأس إفريقيا 2025، عبر الضغط داخل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، أو من خلال حملات إلكترونية تشكك في قدرات المملكة التنظيمية.
سياسة الهروب إلى الأمام
إن ما يحدث ليس سوى ترجمة لسياسة الهروب إلى الأمام التي ينتهجها النظام الجزائري منذ سنوات، إذ يعجز عن مواجهة الأزمات الداخلية المتراكمة — من بطالة وفقر وغياب الإصلاحات — فيلجأ إلى خلق “عدو خارجي” لتوحيد الداخل خلف خطاب وطني مصطنع.
بهذا المعنى، أصبحت قضية العداء للمغرب ورقة تعبئة داخلية، يرفعها النظام كلما اشتدت عليه الضغوط، أو اهتزت شرعيته أمام الشارع الجزائري.
المغرب… منطق الأخوة رغم الجرح
في المقابل، يواصل المغرب التزامه بخيار العقلانية وضبط النفس، مفضّلًا لغة الأخوة والدبلوماسية على الانجرار إلى منطق العداء المتبادل.
فالرباط لم تبادر يومًا إلى مهاجمة الجزائر، لا في إعلامها الرسمي ولا في خطابها السياسي. بل على العكس، شددت المملكة مرارًا على أهمية الحوار وحسن الجوار، مؤكدة أن استقرار الجزائر من استقرار المنطقة، وأن مصير الشعبين الجزائري والمغربي واحد ومترابط.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، ماذا لو عامل المغرب الجزائر بالمثل؟
ماذا لو استقبلت الرباط عناصر من حركة “الماك” الانفصالية أو دعمت أصواتًا جزائرية معارضة؟ ألن تكون الجزائر أول من يصرخ بالتدخل الخارجي وخرق السيادة؟
ومع ذلك، لم يفعل المغرب ذلك، رغم أن الجزائر فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال الانفصاليين من “الحزب الريفي”، وقدّمت لهم الدعم الإعلامي والمادي، وسخّرت استخباراتها لتغذية خطاب الكراهية والانقسام داخل المجتمع المغربي.
هوس لا يخدم أحدًا
في نهاية المطاف، الهوس الجزائري بالمغرب لا يخدم سوى أعداء المنطقة المغاربية بأكملها، ويغذي انقسامًا يعرقل أي مشروع للتكامل الإقليمي أو التعاون الاقتصادي.
لقد أصبح العداء للمغرب عقيدة رسمية في الجزائر، تُدرَّس في الخطاب وتُمارس في القرار، لكنها في الحقيقة تعبير عن أزمة هوية سياسية أكثر منها مواجهة مع خصم خارجي.
يبقى المغرب، رغم كل ذلك، ثابتًا على موقفه الواضح، لا عداوة مع الشعب الجزائري، ولا رغبة في التصعيد، بل إيمان عميق بأن التاريخ والجغرافيا أقوى من حملات التضليل، وأن مستقبل الشعوب لا يُبنى بالتحريض… بل بالحكمة والرؤية والاحترام المتبادل.