الجزائر أمام لحظة الحقيقة: شهران فقط لحسم نصف قرن من العداء للمغرب
بقلم: بوشعيب البازي
تعيش الدبلوماسية الجزائرية اليوم على إيقاع ضغوط غير مسبوقة، في وقت لم يعد فيه المجتمع الدولي يقبل استمرار نزاع مفتعل عمره خمسون عاماً، حول الصحراء المغربية. فبعد عقود من المناورات، تبدو الجزائر أمام لحظة مفصلية، شهران فقط لتدارك ما يمكن تداركه، قبل أن تتحول القضية إلى ملف حسم نهائي على الطاولة الأممية، بتوجيه مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.
تحولات جذرية في الموقف الدولي
خلال الأسابيع الأخيرة، حملت المواقف الدولية إشارات واضحة إلى أن الزمن الدبلوماسي للنزاع يوشك على الانتهاء. واشنطن، التي أعادت تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، لم تكتفِ بالتصريحات، بل فعّلت ضغوطاً دبلوماسية على الجزائر لحملها على تغيير سلوكها العدائي ووقف تمويل جبهة البوليساريو.
وفي هذا السياق، باتت القيادة الجزائرية مدعوة إلى تقديم إشارات واضحة للمجتمع الدولي قبل انعقاد جلسات مجلس الأمن، التي ينتظر أن تحدد مستقبل بعثة المينورسو، وربما إعادة تصنيف البوليساريو كحركة انفصالية ذات طابع إرهابي، إذا استمرت في تعطيل المسار السياسي.
من التصلب إلى الاستسلام الدبلوماسي
على الرغم من الخطاب المتشدد الصادر عن بعض الأجنحة داخل النظام الجزائري، إلا أن المؤشرات الميدانية توحي بعكس ذلك. فقد بدأت جبهة البوليساريو نفسها تبعث بإشارات استسلام غير معلنة، من خلال قبولها الجلوس إلى طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة، في تراجع واضح عن مواقفها السابقة.
هذا التحول لا يعكس فقط إرهاقاً سياسياً ومالياً داخل الجبهة، بل يعبر عن حالة ارتباك جزائرية شاملة، بعد أن وجدت نفسها محاصرة بإجماع دولي متنامٍ حول مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي باتت تُعتبر الحل الوحيد الواقعي والعملي، كما وصفها مجلس الأمن في قراراته المتتالية منذ 2007.
شهران… والعد العكسي بدأ
يتزامن هذا الوضع الحرج مع احتضان المغرب لكأس أمم إفريقيا لكرة القدم، وهي محطة رياضية كبرى تحظى بمتابعة دولية واسعة. وبعد إسدال الستار على البطولة، سيكون الملف السياسي للصحراء على رأس أولويات المنتظم الدولي.
المصادر الدبلوماسية تشير إلى أن واشنطن والأمم المتحدة منحتا الجزائر مهلة لا تتجاوز شهرين لإظهار نية حقيقية في إنهاء هذا النزاع المفتعل، عبر حثّ البوليساريو على الانخراط في المفاوضات بجدية، بدل التمترس خلف شعارات الانفصال.
فكل المؤشرات توحي بأن المجتمع الدولي قد حسم أمره، لا دولة في الصحراء، ولا انفصال، بل حل في إطار السيادة المغربية.
نجاح الدبلوماسية المغربية… واستنزاف الخصم
ما يعيشه النظام الجزائري اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة حتمية لعقود من الدبلوماسية المغربية الهادئة والمركزة، التي نجحت في بناء تحالفات استراتيجية مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فرنسا، وإسبانيا.
فبينما انشغلت الجزائر بتغذية دعاياتها الانفصالية، كان المغرب يراكم الاعترافات الدولية، ويطور اقتصاده في أقاليمه الجنوبية، ويحوّل الصحراء إلى نموذج للاستقرار والتنمية الإفريقية.
مجلس الأمن… لحظة الحسم المنتظرة
تتجه الأنظار اليوم نحو قرار جتماع لمجلس الأمن الدولي، الذي قد يحمل مفاجآت حاسمة. فإضافة إلى احتمال تقليص أو إنهاء مهمة بعثة المينورسو التي فقدت جزءاً من مبررات وجودها، يلوّح بعض الأعضاء بإمكانية تصنيف البوليساريو كتنظيم مسلح يهدد الأمن الإقليمي، خاصة بعد تورط عناصره في تهريب السلاح والتعاون مع شبكات الإرهاب في الساحل الإفريقي.
مثل هذا القرار، إن اتخذ، سيعني نهاية رسمية لمرحلة الابتزاز السياسي التي مارستها الجبهة ومن ورائها النظام الجزائري لعقود طويلة.
الجزائر أمام خيارين لا ثالث لهما
بين الاستمرار في العناد ومواجهة عزلة دولية متصاعدة، أو الانخراط بواقعية في مسار الحل النهائي تحت السيادة المغربية، لا تملك الجزائر ترف الوقت ولا هامش المناورة.
فالعالم تغيّر، والملف الذي صنعته الحرب الباردة يوشك أن يُطوى، ليس فقط لأن المغرب انتصر دبلوماسياً، بل لأن المنطق الدولي لم يعد يقبل بكيانات وهمية تعيق الاستقرار الإقليمي.
شهران فقط، كما تؤكد مصادر دبلوماسية غربية، تفصل الجزائر عن لحظة الحقيقة. فإما أن تختار طريق الاعتراف بالواقع الجديد الذي صنعه المغرب بثبات ونجاح، أو أن تجد نفسها خارج التاريخ، تجرّ وراءها خيبة خمسين عاماً من العداء والإنكار.