الولايات المتحدة تعيد ترتيب مسار قضية الصحراء المغربية: الحكم الذاتي في قلب القرار الأممي المقبل
بوشعيب البازي
تتجه قضية الصحراء المغربية نحو مرحلة مفصلية جديدة في مسارها الدبلوماسي، بعد التصريحات الأخيرة لمستشار الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مُسعد بولس، التي جدد فيها التأكيد على أن مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب سنة 2007 هو الحل الوحيد الواقعي والنهائي للنزاع.
هذه التصريحات، التي أدلى بها بولس في مقابلة مع قناة “سكاي نيوز عربية”، تعيد تثبيت الموقف الأميركي الذي أقرّه الرئيس دونالد ترامب سنة 2020 باعتراف رسمي بسيادة المغرب على صحرائه، مؤكداً أن هذا الموقف “لا رجعة فيه” بالنسبة للإدارة الأميركية الحالية.
حل مغربي بدعم أميركي متزايد
قال بولس إن واشنطن تعمل مع كافة الأطراف داخل مجلس الأمن الدولي من أجل “التوصل إلى صيغة تقرب وجهات النظر قدر الإمكان، وصولاً إلى مرحلة الحل الشامل بين المغرب والجزائر”.
وأشار إلى أن العاهل المغربي الملك محمد السادس “عبّر عن ثقة كاملة في إمكانية الوصول إلى حل نهائي وسريع”، مضيفاً أن “الجزائريين أظهروا انفتاحاً على النقاش البنّاء”.
وبينما شدد على أن موقف الرئيس ترامب من الصحراء “واضح جداً ولا رجعة فيه”، أشار بولس إلى أن الولايات المتحدة تسعى لإقناع الشركاء الدوليين بدعم المسار الأممي القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بوصفه الإطار الواقعي الوحيد القادر على إنهاء هذا النزاع الذي دام لأكثر من خمسة عقود.
مسودة أميركية بمجلس الأمن تحمل عبارة “الصحراء المغربية”
تُظهر المعطيات الدبلوماسية أن الولايات المتحدة دفعت، للمرة الأولى، في مسودة القرار الجديد داخل مجلس الأمن، نحو إدراج مصطلح “الصحراء المغربية”، في تحول دلالي يعكس عمق التحول في المقاربة الدولية للملف.
وبحسب مصادر أممية، فإن المسودة – التي وزعتها واشنطن بصفتها “حاملة القلم” لملف المينورسو – تتضمن إشارة واضحة إلى الحكم الذاتي كحل وحيد، مع تحديد جدول زمني لإنهاء النزاع قبل يناير 2026، موعد انتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “المينورسو”.
ويُرتقب أن تُعرض المسودة على التصويت يوم الخميس 30 أكتوبر الجاري، بعد أن خضعت لجولات مشاورات بين الدول الأعضاء.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن اللغة الجديدة في النص الأميركي تمثل انتصاراً رمزياً للموقف المغربي، إذ لم يعد النقاش يدور حول “النزاع في الصحراء الغربية”، بل حول “تسوية قضية الصحراء المغربية”.
دلالات الموقف الأميركي
يرى الخبير في الشؤون السياسية والإستراتيجية هشام معتضد أن “تصريحات مسعد بولس، للمرة الثانية خلال فترة قصيرة، تُعبّر عن توجه ثابت في السياسة الخارجية الأميركية يقوم على دعم المغرب ومتابعة إعادة التوازنات الإقليمية بما يخدم المصالح الأميركية”.
وأوضح في تصريح له أن “هذا الموقف يعكس دقة الحسابات الأميركية في التعامل مع شمال أفريقيا، حيث تعتمد واشنطن على الواقعية السياسية والعمل الميداني في إدارة الملفات الحساسة، وليس على الخطابات أو المواقف الرمزية”.
وأضاف معتضد أن “الدعم الأميركي، إلى جانب فرنسا وبريطانيا، قد يساهم في تحويل مسار النقاش الأممي من التجديد التقني لولاية البعثة إلى تثبيت سياسي للموقف المغربي”، مشيراً إلى أن “مغربية الصحراء أصبحت اليوم معطى مدعوماً من عواصم كبرى، ما يجعل أي رجوع إلى الوراء أمراً غير وارد”.
المينورسو في سياق جديد
من جهته، أكد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة المينورسو ألكسندر إيفانكو، خلال إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن في 8 أكتوبر الجاري، على “ضرورة تعزيز المسار السياسي الواقعي والدائم والمتوافق عليه”، وهي الصيغة ذاتها التي تتبناها الرباط وتدعمها واشنطن.
ويُتوقع أن يتم التعامل مع بعثة المينورسو في المرحلة المقبلة كأداة استقرار ودعم للمسار السياسي، أكثر من كونها بعثة مراقبة جامدة للوضع الميداني.
الجزائر والبوليساريو أمام عزلة سياسية
في المقابل، تتجه الجزائر وجبهة البوليساريو إلى رفض المسودة الأميركية الجديدة، واعتبارها “محاولة لفرض الأمر الواقع”. لكن مراقبين يرون أن الزخم الدبلوماسي الدولي المساند للمغرب يجعل من الصعب على الجزائر الحفاظ على خطابها التقليدي في ظل التحولات الجارية داخل مجلس الأمن.
فواشنطن لم تعد تطرح حلاً “تفاوضياً مفتوحاً”، بل تسعى إلى تسوية نهائية على أساس الحكم الذاتي، بما يتوافق مع مقاربة الأمم المتحدة للحلول الواقعية والمتوافق عليها.
تحول استراتيجي في المشهد الدولي
إعلان نية الولايات المتحدة فتح قنصلية في الصحراء المغربية، الذي كشفه بولس في لقاء سابق، يندرج في إطار تعزيز الحضور الأميركي في المنطقة، وربطه بالتحولات الاقتصادية والأمنية في غرب المتوسط والساحل.
ويُعدّ هذا التوجه امتداداً لسياسة أميركية جديدة تقوم على دعم الاستقرار عبر الاعتراف بالواقع السياسي القائم، خصوصاً حين يكون مدعوماً بشرعية تاريخية وقانونية، كما هو حال المغرب في صحرائه.
نحو هندسة جديدة للملف
تصريحات مسعد بولس وموقف واشنطن الواضح يعكسان تبلور قناعة دولية متزايدة بضرورة الحسم النهائي في قضية الصحراء المغربية، على أساس مقترح الحكم الذاتي.
ومع اقتراب موعد جلسة مجلس الأمن، يبدو أن الملف يدخل مرحلة جديدة من “البراغماتية السياسية”، حيث لم يعد الحديث عن استفتاء أو نزاع مفتوح، بل عن تسوية في طور التثبيت الأممي، تجعل من المغرب الطرف المركزي في معادلة الاستقرار الإقليمي.