مجلس الأمن يكرّس أولوية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية: تحول تاريخي في مسار نزاع الصحراء

حنان الفاتحي

الأمم المتحدة تتبنى الواقعية المغربية في مقاربة ملف الصحراء

في قرار وُصف بالتاريخي، أعلن مجلس الأمن الدولي اليوم الجمعة أن مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية “قد يكون الحل الأكثر جدوى وواقعية” لإنهاء النزاع الدائر منذ نصف قرن، في تحول نوعي يعكس تبني الأمم المتحدة للمقاربة المغربية كإطار رئيسي للحل السياسي.

القرار الذي حظي بتأييد 11 عضوا من أصل 15، مع امتناع روسيا والصين وباكستان عن التصويت، وغياب الجزائر، جاء متزامنًا مع تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة “المينورسو” لسنة إضافية، في خطوة تؤكد استمرار التزام المنظمة الدولية بالحفاظ على الاستقرار الميداني ومواكبة التحولات السياسية في المنطقة.

ويُعتبر هذا القرار الأول من نوعه الذي يمنح الأفضلية الصريحة للمبادرة المغربية منذ تقديمها عام 2007، ما يشكل، بحسب المراقبين، انتصارًا دبلوماسيًا بارزًا للمغرب وتراجعًا واضحًا لخيارات الانفصال أو الاستفتاء على “تقرير المصير” التي ظلت تراوح مكانها لعقود.

نهاية مرحلة الاستفتاء وبداية الحل السياسي الواقعي

يمثل القرار الجديد تتويجًا لتطورٍ تدريجي في موقف الأمم المتحدة، من مرحلة الحياد اللفظي إلى مرحلة الانخراط العملي في دعم الطرح المغربي الواقعي.

فمنذ اعتماد القرار 1754 سنة 2007، وصف مجلس الأمن مبادرة الحكم الذاتي بأنها “جادة وذات مصداقية”، وهو التوصيف الذي تكرر في أكثر من 22 قرارًا لاحقًا.

لكن ابتداءً من سنة 2018، أدخلت الأمم المتحدة مصطلحات جديدة مثل “الواقعية” و“البراغماتية” و“الحل القائم على التوافق”، وهي مفاهيم تعكس تبنّي المقاربة المغربية في جوهرها.

أما القرار الأخير رقم 2756 (أكتوبر 2024)، فقد تحدث عن “الزخم الإيجابي الذي تعرفه القضية”، داعيًا الأطراف إلى البناء عليه للوصول إلى حل سياسي نهائي. واليوم، يتوج مجلس الأمن هذا المسار باعتبار الحكم الذاتي الحل الأكثر جدوى، وهو ما يترجم عمليًا إغلاق صفحة الاستفتاء الذي طالما دعت إليه جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

رؤية ملكية متبصّرة وراء المكاسب الدبلوماسية

يعزو مراقبون مغاربة هذا النجاح إلى الرؤية الملكية المتبصّرة للملك محمد السادس، التي جعلت من قضية الصحراء أولوية وطنية واستراتيجية في السياسة الخارجية للمملكة، قائمة على وضوح الرؤية السياسية، ورصانة الفعل الدبلوماسي، والانفتاح على الشركاء الدوليين.

وفي خطابه بمناسبة عيد العرش (30 يوليو 2025)، قال الملك محمد السادس:

«هذه المواقف الداعمة للحق والمشروعية تُلهمنا الفخر والاعتزاز، وتدفعنا إلى المضيّ في البحث عن حلّ توافقي يُحفظ فيه ماء وجه الجميع، بحيث لا يكون هناك لا منتصر ولا منهزم».

هذه الرؤية المتوازنة، التي تمزج بين الثبات في المبدأ والمرونة في الأسلوب، مكّنت المغرب من حشد تأييدٍ متزايد من أكثر من 120 دولة عضو في الأمم المتحدة، تؤكد جميعها دعمها للمبادرة المغربية وتأييدها لمغربية الصحراء.

الاعتراف الدولي يتسع… والانفصال يتراجع

على الصعيد الدبلوماسي، يشهد الملف تحولًا غير مسبوق في موازين الاعتراف الدولي.

فبينما كانت 70 دولة تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” في مطلع الألفية، لم يتبقَّ اليوم سوى 25 دولة فقط، مقابل 164 دولة — أي ما يعادل 84% من المجتمع الدولي — لا تعترف بهذا الكيان.

وفي العامين الماضيين، سحبت دول مؤثرة مثل بنما، الإكوادور، كينيا، وغانا اعترافها، في ما يعتبر دليلاً واضحًا على تراجع المساندة للطرح الانفصالي وتزايد الانحياز إلى الحل المغربي الواقعي.

وفي المقابل، فتحت أكثر من ثلاثين دولة قنصليات عامة في مدينتي العيون والداخلة، وهو ما يشكل اعترافًا عمليًا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

كما أدرج الاتحاد الأوروبي ضمن اتفاق الشراكة الزراعية المنتجات القادمة من الأقاليم الجنوبية للمملكة، مع الإشارة إلى منشئها من العيون والداخلة، في سابقة تعكس الاعتراف الأوروبي الضمني بمغربية الصحراء.

دعم القوى الكبرى للموقف المغربي

توسّع الدعم الدولي للمبادرة المغربية ليشمل القوى الكبرى والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

ففي 10 ديسمبر 2020، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إعلانًا رئاسيًا يعترف بسيادة المغرب على كامل أراضيه في الصحراء، وهو الموقف الذي جدّدته الإدارة الأمريكية اللاحقة في مناسبتين رسميتين (9 أبريل و4 أغسطس 2025).

كما وصفت المملكة المتحدة المبادرة المغربية بأنها “الأساس الأكثر واقعية ومصداقية وبراغماتية” للتوصل إلى حل دائم، فيما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في رسالة إلى الملك محمد السادس أن “حاضر ومستقبل الصحراء يندرجان ضمن إطار السيادة المغربية”، وأن “خطة الحكم الذاتي تشكل القاعدة الوحيدة للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومتفاوض عليه”.

أما على الصعيد الأوروبي الأوسع، فقد عبّرت دول مثل إسبانيا، ألمانيا، هولندا، البرتغال، النمسا، الدنمارك، بلجيكا وبولونيا عن دعمها الصريح للمبادرة المغربية، معتبرة أن الصحراء جزء لا يتجزأ من وحدة أراضي المملكة.

أبعاد اقتصادية واستراتيجية للحكم الذاتي

لا يقتصر هذا الزخم الدولي على الجانب السياسي فحسب، بل يمتد إلى الجانب الاقتصادي والاستثماري.

فالأقاليم الجنوبية للمملكة تشهد اليوم نهضة تنموية شاملة في مجالات الطاقة المتجددة، البنية التحتية، الاقتصاد البحري، واللوجستيك، ما جعلها وجهة جذابة للمستثمرين الدوليين.

وتشجع الولايات المتحدة، فرنسا، وبلجيكا شركاتها على الاستثمار في هذه الأقاليم التي أضحت فضاءً واعدًا للاستقرار والنمو، في انسجامٍ تام مع الرؤية الملكية الرامية إلى جعل الصحراء بوابة إفريقيا نحو المستقبل.

نحو نهاية نزاع عمره نصف قرن

بهذا القرار التاريخي، يكون مجلس الأمن قد أغلق صفحة من أطول النزاعات الإقليمية في إفريقيا، وفتح بابًا جديدًا أمام حل سياسي دائم وعادل، يقوم على الواقعية والسيادة المغربية.

لقد أصبح واضحًا أن مقاربة المغرب القائمة على الحكم الذاتي الموسّع تحت السيادة الوطنية ليست مجرد طرح تفاوضي، بل خيار دولي متوافق عليه يمثل السبيل الوحيد نحو السلام والاستقرار الإقليمي.

إن ما تحقق اليوم ليس مجرد نصر دبلوماسي للمغرب، بل هو انتصار للشرعية الدولية والعقلانية السياسية، يؤكد أن الرؤية الملكية استطاعت تحويل النزاع المفتعل إلى قضية حُسمت بالواقع والميدان والقانون.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com