إلياس القصري يطالب باسترجاع الأراضي التونسية المنهوبة: “لنستفد من درس المغرب”
بعد أيام قليلة من اعتماد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2797 الذي كرّس مرة أخرى سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، خرج صوت تونسي غير متوقع من صمت طويل. فالدبلوماسي السابق إلياس القصري، المعروف بخبرته الطويلة في السلك الدبلوماسي التونسي، لم يكتف بالترحيب بالقرار الأممي، بل استثمر الحدث ليُعيد إلى الواجهة ملفاً منسياً في تاريخ تونس المعاصر: ملف الأراضي التي اقتطعتها فرنسا من تونس لصالح الجزائر إبّان الحقبة الاستعمارية.
من الرباط إلى تونس: صدى السيادة يتردد في المغرب العربي
قرار مجلس الأمن الجديد لم يخلُ من الجدل. ففي الوقت الذي رأى فيه كثيرون أنه تتويج لمسار دبلوماسي مغربي حازم، اعتبر آخرون أن تداعياته قد تتجاوز حدود الصحراء المغربية. وبالفعل، أحدث القرار رجّة فكرية وسياسية في تونس، حيث انقسم الرأي العام بين معسكرين: أحدهما يرفع شعار “الخاوة الخاوة” في إشارة إلى الأخوة التونسية الجزائرية، وآخر يذكّر بأن “جزءاً من تونس تحت الاحتلال الصامت لجارتها الغربية”.
في منشور أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب القصري:
“على تونس أن تسير على خطى المغرب في الدفاع عن سيادتها واسترجاع أراضيها التي اقتطعتها الجزائر الفرنسية… إنها أرض تونسية وثروة منهوبة منذ 1962”.
الجزائر.. بين شرعية التحرير وجشع الامتداد
تحليل القصري لا يقتصر على الجغرافيا؛ إنه يطال التاريخ والسياسة معاً. فالدبلوماسي السابق يرى أن النظام الجزائري بنى جزءاً من شرعيته على “أسطورة الثورة والتحرير”، لكنه في الواقع “ورث خريطة استعمارية أعادت توزيع الأراضي بين المستعمرات الفرنسية”، ليجد جيرانه اليوم أنفسهم محرومين من جزء من أراضيهم ومصادرهم الطبيعية.
ويذكّر القصري بأن فرنسا منحت الجزائر نحو 20 ألف كيلومتر مربع من الأراضي التونسية، تمتد في منطقة “العرق الشرقي الكبير” الغنية بالمياه الجوفية والمعادن والغاز، وهي مساحة تفوق مساحة دولة الكويت.
هذه الأراضي – بحسبه – “تشكل اليوم الركيزة الطاقية للاقتصاد الجزائري”، وتقدَّر احتياطياتها بأكثر من 6 مليارات برميل من النفط، أي ما يعادل 11٪ من احتياطي البلاد.
الذاكرة المغيّبة: من بورقيبة إلى صمت اليوم
يستحضر القصري مواقف الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي جعل من قضية الحدود مع الجزائر “معركة حياة أو موت”.
ورغم توقيعه في يناير 1964 على اتفاق مع أحمد بن بلة لإعادة الأراضي التونسية، إلا أن الاتفاق لم يُنفّذ قط. فمع مجيء بومدين، طُوي الملف نهائياً، لتجد تونس نفسها – بعد أربع سنوات فقط – مضطرة إلى ترسيم الحدود على وضعها المفروض.
ومنذ ذلك الحين، يضيف القصري، اختارت تونس سياسة “الصمت المفيد”، أو بالأحرى “الرضوخ المصلحي”، مقابل تعاون اقتصادي وأمني هش، يقوم على مبدأ الخضوع لا الندية.
ويكتب بسخرية لاذعة:
“هؤلاء الذين يسألون اليوم: أين البترول؟ عليهم أن يدركوا أن بترولهم هناك، في أرض اقتُطعت منهم، وأن استقلال تونس يظل منقوصاً ما دامت هذه الأراضي خارج سيادتها”.
ما بعد القرار 2797: صدى مغاربي جديد
يرى مراقبون أن موقف القصري يعكس تحولاً في المزاج العام داخل جزء من النخب التونسية، التي باتت تنظر إلى التجربة المغربية في الدفاع عن وحدتها الترابية كنموذج يحتذى به.
فالقرار الأممي الأخير، الذي قضى عملياً على أطروحة “الانفصال”، أضعف كثيراً الموقف الجزائري الذي ظل لعقود يتخذ من قضية الصحراء أداة دبلوماسية وشرعية داخلية.
ويحذر القصري من أن سقوط “أسطورة الصحراء الغربية” سيجرّ سقوط خرافات أخرى، منها خرافة “الحدود المقدسة”، التي تُستخدم، في رأيه، لتبرير “النهب الإقليمي المقنّن باسم التحرير”.
بين التاريخ والمستقبل: مسؤولية الذاكرة والسيادة
في تحليله، يذهب القصري أبعد من السياسة اليومية، ليضع النقاش في إطاره الأخلاقي والتاريخي.
فهو يعتبر أن استمرار الجزائر في التمسك بأراضٍ منحتها فرنسا لها بقرارات استعمارية يمثل “خطيئة تاريخية وأخلاقية”، لا تقل خطورة عن الجرائم الاستعمارية نفسها.
ويضيف:
“إن من لا يدافع عن ترابه الوطني، يرتكب خيانة صامتة، ومن يخشى قول الحقيقة، يشارك في جريمة الجبن السياسي.”
نهاية الوهم وبداية المكاشفة
الرسالة الأخيرة لإلياس القصري واضحة:
السكوت لم يعد ممكناً. فالمغرب استعاد صحراءه عبر الدبلوماسية والشرعية، والعالم أيقن أن القضايا المصطنعة لا تعيش طويلاً.
أما تونس، فعليها أن تستعيد ذاكرتها قبل أن تستعيد أرضها. لأن «الحدود التي رسمها الاستعمار ليست قدراً، بل خطأ تاريخي يجب تصحيحه».