انقسام القفاطين الدبلوماسية: حين تتحوّل سفارة المغرب في بلجيكا إلى مسرح للمناورات الصغيرة

بقلم: بوشعيب البازي

يبدو أن المسيرة الخضراء هذا العام لم تكن فقط مناسبة لاستحضار ملحمة وطنية وحدت المغاربة، بل كانت أيضًا مناسبة لتفجير ملحمة مصغّرة داخل أسوار الدبلوماسية المغربية ببلجيكا، بين السفير المعمّر محمد عامر والقنصل العام للمملكة بـأنفيرس السيد منير قطيطو.

فما جرى في الحفل الأخير المنظم بالسفارة المغربية ببروكسيل يصلح لأن يكون درسًا في “فنّ الإقصاء الدبلوماسي الرفيع”، وليس في فنّ الدبلوماسية نفسها.

 المشهد الأول: الكراسي تتكلم

في قاعة الاحتفال اللامعة بالأعلام الوطنية وصور المسيرة الخضراء، جلس بعض النكرات في الصفوف الأولى، بينما تُرك كرسي أنفيرس و بروكسيل في آخر القاعة، بين الجالية والمواطنين.

بعض النكرات في الصف الاول 

السفير عامر، الذي يبدو أنه يهوى الإخراج المسرحي، قرر أن يُرسل رسالة من دون أن ينطق بكلمة: “مكانكم ليس هنا”.

رسالة التُقطت بسرعة من الحاضرين، خصوصًا حين غادر القنصل قطيطو القاعة في صمت بعد انتهاء الكلمات الرسمية، تاركًا خلفه أسئلة كثيرة وابتسامات متوترة.

خلف الكواليس: تقارير وسوء فهم دبلوماسي

مصادر مطلعة من الجالية كشفت لـ”أخبارنا الجالية” أن أصل الحكاية يعود إلى تقرير دبلوماسي أرسله القنصل العام إلى وزارة الخارجية دون استشارة السفير.

تقرير مهني وعادي في الظاهر، لكنه مسّ على ما يبدو الأنا العليا للسفير محمد عامر، الذي لم يتقبل أن يُتخذ القرار دون المرور عبره، فقرر الرد بأسلوب كلاسيكي:

التجاهل… والتهميش… والكرسي الأخير.

ومنذ ذلك اليوم، تحول التواصل بين السفارة والقنصلية إلى ما يشبه حربًا باردة، عنوانها: من يملك ختم الدولة ومن يملك عيونها؟

 دبلوماسية على مقاس “المزاج”

قد يقول قائل إن الخلافات الإدارية أمر طبيعي في أي مؤسسة، لكن عندما تتحوّل السفارات المغربية في الخارج إلى مسرح لـالأنانيات الشخصية والترتيبات الصغيرة، فهنا تكمن الخطورة.

فالمواطن المغربي في الخارج ينتظر من ممثليه الدبلوماسيين التآزر والتنسيق لخدمته، لا أن يرى بأم عينيه سفيره يتجاهل قنصله على منصة وطنية. الديبلوماسية ليست مسابقة في توزيع المقاعد، بل فن ترتيب الكرامات قبل الكراسي.

بين عامر وقطيطو… من يخدم من؟

القنصل العام لأنفيرس، المعروف بعلاقاته الطيبة مع أفراد الجالية وبسعة صدره في معالجة الملفات القنصلية، يبدو أنه يدفع ثمن التفاني الزائد والاستقلالية المهنية.

أما السفير عامر، الذي راكم مناصب سياسية وسفارية منذ سنوات، فيُتهم اليوم من طرف بعض الفاعلين الجمعويين بـ”الانغلاق في دائرة المقربين”، متناسياً أن الدبلوماسية المغربية الحديثة تُبنى على الانفتاح والتجديد لا على “الولاءات القديمة”.

 سفارة أم مسلسل تركي؟

ما يجري داخل السفارة المغربية ببلجيكا لم يعد مجرد سوء تفاهم مهني، بل أزمة أسلوب وقيادة. فحين تتحول العلاقات بين السفير والقناصل إلى منافسة على الظهور والبروتوكول، فمن حقنا أن نسأل:

من يمثل الدولة؟ ومن يمثل نفسه؟

ومن يدير الشؤون القنصلية… ومن يدير المشاعر؟

الدبلوماسية المغربية، التي راكمت احتراماً دولياً بفضل حكمتها واحترافيتها، لا يمكن أن تُختزل في تصرفات صبيانية أو نزاعات شخصية. فالرسالة التي تُوجَّه للمواطنين في الخارج يجب أن تكون رسالة وحدة وانسجام، لا رسالة كراسي فارغة.

وإن كان السفير محمد عامر يرى في تجاهل القنصل العام درساً في الانضباط، فإن التاريخ الدبلوماسي سيعتبره درساً في الغرور الإداري. في النهاية، يبدو أن على وزارة الخارجية أن تتدخّل، لا لتوزيع المقاعد هذه المرة، بل لتوزيع الاحترام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com