العفو عن بوعلام صنصال: مناورة سياسية جزائرية بحثاً عن منفذ أوروبي بعد «صفعة» القرار 2797

بوشعيب البازي

لم يكن “العفو” الرئاسي الذي أصدره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن الكاتب بوعلام صنصال حدثاً إنسانياً خالصاً كما روّجت السلطات، بل خطوة سياسية محسوبة بدقّة في توقيت بالغ الحساسية. فالدولة التي اعتادت التعامل مع الملفات الحقوقية بمنطق العصا الغليظة، قررت هذه المرة أن تُفرج عن كاتب يبلغ من العمر 81 عاماً، يعاني سرطان البروستات، فقط بعد أن طلب الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير ذلك قبل زيارته إلى الجزائر. أسئلة كثيرة تطرح نفسها: لماذا ألمانيا تحديداً؟ ولماذا الآن؟

العودة إلى أوروبا… من بوابة برلين وليس باريس

بعد سنة من الاعتقال، فضّل تبون أن يأتي “العفو” بواسطة ألمانية لا فرنسية. الرسالة واضحة: الجزائر تريد استئناف تواصلها مع أوروبا، لكن عبر مسار جديد يتجاوز باريس التي تدهورت علاقاتها بالجزائر في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بعد الموقف التاريخي للرئيس إيمانويل ماكرون في صيف 2024 حين أعلن، بلغة فرنسية أنيقة وبوضوح غير مسبوق، تأييده لمغربية الصحراء في رسالة موجهة إلى الملك محمد السادس.

بكلمات أخرى، لم يكن بوعلام صنصال سوى ضحية صراع سياسي بين باريس والجزائر، ودفع ثمن رأيه الجريء في سوء أداء النظام الجزائري وسلوكه تجاه مواطنيه.

صفعة القرار 2797… الجزائر تُدرك فشل رهاناتها

منذ سنوات، راهنت الجزائر على واشنطن لإعادة خلط أوراق ملف الصحراء. لكن ما حصل كان العكس تماماً. فقد دفعت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب لاعتماد القرار 2797 الذي صدر في 31 أكتوبر 2025، والذي أكد بشكل قاطع:

  • مغربية الصحراء
  • كون المبادرة المغربية للحكم الذاتي “أساساً” لأي مفاوضات مستقبلية
  • إدراج الجزائر صراحةً باعتبارها طرفاً في النزاع

بهذا القرار، طويت صفحة “الاستفتاء” نهائياً، تلك الفكرة العبثية التي بقيت الجزائر ترددها رغم أنها لم تكن يوماً قابلة للتطبيق: من سيشارك؟ وعلى أي أساس؟ وكيف؟ أسئلة لم ترغب الجزائر في طرحها على نفسها.

الضربة الأقوى كانت في موقف 11 دولة من أصل 15 في مجلس الأمن الداعم للمغرب، مع امتناع روسيا والصين، الدولتين اللتين تشكلان عادة مظلة دبلوماسية للجزائر.

هنا اكتشف تبون أن الرهان على أميركا انتهى، وأن إدارة جو بايدن سارت على الخط نفسه الذي رسمه ترامب منذ اعترافه بمغربية الصحراء في 2020.

ألمانيا بدل فرنسا… التفاف على الهزيمة

لم تستطع الجزائر الاعتراف بهذه الهزيمة الاستراتيجية، فاختارت التحرك عبر بوابة ألمانية. عوض مواجهة باريس والإفراج عن الصحافي الفرنسي المعتقل منذ 2024، فضّلت السلطة توظيف إفراجها عن صنصال كـ«بادرة حسن نية» موجهة إلى برلين.

لكن خلف هذا المشهد، تظهر عقدتان راسختان في الوعي السياسي للسلطة الجزائرية:

  1. عقدة فرنسا
  2. عقدة المغرب

الأخيرة تتجلى في رفض الاعتراف بأن المغرب استعاد أقاليمه الصحراوية بشكل سلمى عبر “المسيرة الخضراء”، وأن العالم اليوم يعترف بوحدة ترابه.

جريمة صنصال… أنه قال الحقيقة

لم يرتكب بوعلام صنصال أي جريمة. ذنبه الوحيد أنه كتب ما يعرفه الجميع: أن فرنسا الاستعمارية كانت قد ألحقت ببلد ما قبل الاستقلال مساحات واسعة من الأراضي المغربية، بما فيها مناطق الغرب الجزائري مثل وهران. لم يناقش المغرب هذه النقطة بعد استقلال الجزائر احتراماً لجاره الشرقي، لكن الجزائر قرأت ذلك ضعفاً، ثم حاولت في 1975 تكرار سيناريو التوسع الذي مارسته فرنسا الاستعمارية.

لكن الصمود المغربي على مدى نصف قرن، والانتصار الدبلوماسي المتراكم، أعادا الأمور إلى نصابها، وأوقعا الجزائر في مأزق سياسي لا مهرب منه.

هل يساعد «العفو» في إصلاح العلاقات مع فرنسا؟

من المنتظر أن تشهد العلاقات الفرنسية ـ الجزائرية تحسناً نسبياً مع تعيين لوران نونيز وزيراً للداخلية، وهو ابن عائلة من أصول وهرانية، وقد تلقى دعوة رسمية لزيارة الجزائر. لكن هذا التحسن، إن حصل، لن يغيّر الكثير في الصورة العامة: إطلاق صنصال لن يعالج الجوهر، ولن يبدد القلق الأوروبي من سلوك النظام الجزائري، ولن يعيد ثقة فرنسا التي تقترب أكثر فأكثر من المغرب.

هل تملك الجزائر مخرجاً؟

الحل ليس في العفو عن كاتب، ولا في رسائل موجهة إلى برلين أو باريس، ولا في المكابرة المستمرة. الحل الوحيد يتمثل في خطوة عملية واحدة:

الذهاب إلى حوار صريح مع المغرب، كما دعا الملك محمد السادس، والاعتراف بأن النزاع وصل إلى نهايته.

فبدل الدوران في الحلقة المغلقة نفسها، وبدل التمسك بأوهام الدولة العظمى، تستطيع الجزائر أن تفتح صفحة جديدة تعيدها إلى المنطقة والعالم كدولة مسؤولة.

ليس على الجزائر سوى أن تختصر الطريق… وأن تذهب نحو الاتجاه الذي يجب أن تذهب إليه منذ عقود: سلام حقيقي مع المغرب ونهاية وهم “الصحراء الغربية”.

وفي انتظار ذلك، يبقى “العفو” عن صنصال مجرد خطوة تكتيكية، لا تُغيّر حقائق السياسة ولا اتجاهات التاريخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com