أوروبا تُغلق الباب من جديد: “الجمهورية الصحراوية” كيان بلا اعتراف… وبلا أفق
بوشعيب البازي
في مشهد يختزل الكثير من الحقائق التي يحاول الخطاب الانفصالي طمسها، عاد الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة 21 نونبر 2025 ليجدد، بوضوح لا يحتمل التأويل، موقفه الراسخ: لا اعتراف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، ولا خدش في القاعدة القانونية التي يستند إليها هذا الموقف منذ عقود.
التصريح، الذي جاء على لسان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية خلال الندوة اليومية للمفوضية الأوروبية، بدا أشبه بجرس إنذار موجه لأولئك الذين يخلطون بين البروتوكول الدبلوماسي والشرعية السياسية، وبين حضور قاعة اجتماع… ووجود كيان على خريطة العالم.
وهم الجلوس على الكراسي الفارغة
لقد روجت الأبواق الانفصالية في الأيام الأخيرة لرواية خيالية، مفادها أن مشاركة الكيان الوهمي في قمة الاتحاد الأوروبي–الاتحاد الإفريقي المرتقبة بلواندا تمثل “انتصارًا دبلوماسيًا” و“اعترافًا ضمنيًا” من أوروبا.
غير أن الواقع أبسط وأكثر جفافًا من هذا الخطاب الحماسي:
الحضور لا يصنع الشرعية، ولا يغيّر القانون الدولي، ولا يُقوّض الإجماع الأوروبي الواضح.
الاتحاد الأوروبي ذكّر القاصي والداني بأن كل طرف يدعو أعضاءه حسب ترتيبات متفق عليها مسبقًا، وأن الجانب الإفريقي هو من يرسل الدعوات لوفوده، دون أن يعني ذلك اعترافًا من الطرف الأوروبي.
ومن ثم يصبح “التأويل الانتصاري” الذي حاولت الجبهة تسويقه مجرد رهان خاسر آخر في مسلسل طويل من بيع السراب.
أوروبا… الثبات الذي لا يتغير
من المهم هنا أن نقرأ التصريح الأوروبي في سياق أشمل:
لا دولة أوروبية واحدة، من لشبونة إلى هلسنكي، تعترف بهذا الكيان.
ولا توجد إشارة، حتى في الهامش، إلى احتمال تغير هذا الموقف.
وليس هذا نتيجة ضغط ظرفي أو حسابات آنية، بل لأن العقل السياسي الأوروبي يتحرك على قاعدة ثابتة:
النزاعات الإقليمية تُحل داخل إطار الأمم المتحدة، ووفق مقاربات واقعية، لا عبر “اختراع دول” لاعتبارات أيديولوجية أو صراعات الحرب الباردة.
ومن هنا يصبح الحضور الشكلي لذلك الكيان داخل هياكل الاتحاد الإفريقي مجرد إرث سياسي متحجر، لا يغيّر من الحقيقة شيئًا:
أوروبا لا ترى الدولة حيث لا توجد دولة.
ما وراء التصريح: رسالة إلى من يهمه الأمر
التشديد المتكرر على هذا الموقف ليس صدفة.
فالاتحاد الأوروبي يدرك أن بعض الأطراف الإقليمية تستغل ثغرات الشكل البروتوكولي لمحاولة خلق وهم “الندية” أو “المكانة الدولية” للكيان الانفصالي.
لذلك جاء التأكيد الأوروبي مضاعفًا:
- لا اعتراف.
- ولا أثر للحضور الشكلي.
- ولا تغيير في السياسات.
هذا النوع من الخطاب الدبلوماسي يعني شيئًا واحدًا:
أوروبا سئمت محاولات تزييف الوقائع، وتُفضّل الوضوح المسبق على الجدل العقيم.
الرسالة الأوروبية إلى الجزائر… قبل الجبهة
من يقرأ دينامية الملف، يدرك أن الرسالة الأوروبية ليست موجهة فقط إلى الجبهة الانفصالية، بل أساسًا إلى الجزائر، الراعي الرسمي الذي راهن طويلاً على تدويل الكيان الوهمي عبر المنابر القارية.
لكن أوروبا، بحساباتها الاستراتيجية وبسياستها الخارجية التي تنظر إلى استقرار شمال إفريقيا كأولوية، تعرف جيدًا أن المغرب شريك محوري في الأمن والهجرة والطاقة والاقتصاد، وأن مقترح الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد الممكن للحل ضمن الشرعية الدولية.
ومنه، فإن محاولات الضغط عبر “رمزية الحضور” لم تعد تقنع أحدًا، لا في بروكسيل ولا في العواصم الأوروبية المؤثرة.
حقيقة لا غبار عليها: الشرعية ليست لعبة مقاعد
قد يحضر أي كيان في قاعة مؤتمر، لكن الشرعية الدولية ليست مقعدًا يوزع في قمة، بل موقفٌ سيادي لدول حقيقية.
والدول الأوروبية، التي تشكل ثاني أكبر مجموعة دولية بعد الأمم المتحدة من حيث التأثير، تتحدث لغة واحدة تجاه هذا النزاع:
- لا اعتراف بالدولة المزعومة.
- دعم لمسار الأمم المتحدة.
- اعتبار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلًا واقعيًا وذا مصداقية.
أوروبا تضع النقاط على الحروف… والسراب يبقى سرابًا
ما قاله الاتحاد الأوروبي لا جديد فيه من حيث المضمون، لكنه مهم من حيث التوقيت والسياق.
فحين ترتفع أصوات الوهم، تُضطر المؤسسات الكبرى لتذكير الجميع بالحقيقة.
والحقيقة اليوم واضحة كما لم تكن من قبل:
“الجمهورية الصحراوية” ليست دولة، ولا أوروبا تراها كذلك، ولن تراها كذلك.
قد يحاول البعض البناء على لحظة بروتوكولية، لكن السياسة تُكتب بالعقل لا بالأمنيات.
وما بين الرباط وبروكسيل، هناك خط ثابت لا ينكسر: الشرعية الدولية تسير في اتجاه واحد… والسراب لا يصبح حقيقة مهما علا صوته.