البرلمان الأوروبي يعزز الشراكة الزراعية مع المغرب ويرفض محاولات إحياء الخطاب الانفصالي
بوشعيب البازي
في خطوة وُصفت داخل الأوساط الدبلوماسية الأوروبية والمغربية بأنها محطة جديدة في مسار ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وبروكسل، صادق البرلمان الأوروبي على الصيغة المعدّلة للاتفاق الزراعي بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وهي الصيغة التي تم التوصل إليها مع المفوضية الأوروبية في الثالث من أكتوبر الماضي، والتي تؤكد بوضوح سياسي وقانوني إدماج المنتجات الزراعية القادمة من الأقاليم الجنوبية ضمن الصادرات المغربية الرسمية نحو السوق الأوروبية.
وجاء هذا التصويت بعد إسقاط التعديلات التي حاول نواب موالون لجبهة بوليساريو تمريرها بهدف إخراج منتجات الصحراء من منظومة الصادرات المغربية بدءا من تحديد منشئها. ورغم الضغط السياسي والإعلامي الذي مارسته مجموعات انفصالية داخل البرلمان الأوروبي، إلا أن هذه التعديلات لم تتمكن من الحصول على الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة، وهو ما اعتُبر داخل بروكسل مؤشرا جديدا على تراجع تأثير اللوبيات المرتبطة بالانفصال.
توازنات سياسية جديدة داخل البرلمان الأوروبي
لم تنجح محاولات حزبي الشعب الإسباني وفوكس اليمينيين في تغيير مضمون الاتفاق، رغم سعيهما لإعادة صياغة طريقة إدراج المنتجات القادمة من الصحراء المغربية ضمن بنود التبادل التجاري. فقد بقي الاتفاق، كما صاغته الرباط والمفوضية الأوروبية، ينص على الإشارة إلى المنشأ ضمن الجهات الاثنتي عشرة للمملكة، بما في ذلك جهات الجنوب كلميم واد نون والعيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب.
ويقدم هذا الموقف صورة واضحة حول التحولات داخل البرلمان الأوروبي، إذ باتت الغالبية السياسية تميل إلى مقاربة أكثر واقعية لملف الصحراء، وهي مقاربة تستند إلى شرعية القرار الأممي الأخير وإلى المكانة الاقتصادية للمغرب كشريك رئيسي للاتحاد الأوروبي.
وقال أستاذ العلاقات الدولية خالد شيات إن رفض التعديلات يعكس حجم الإنفاق السياسي والإعلامي الذي توظفه الجزائر لدعم الخطاب الانفصالي داخل المؤسسات الأوروبية، ورأى أن محدودية تأثير هذه الجهود دليل على “عجز الجزائر عن التكيف مع التحولات الإقليمية والدولية التي أصبحت أقرب إلى الطرح المغربي”.
وأضاف أن “فكرة الانفصال لا تزال حاضرة في خطاب الجزائر، لكنها باتت تفتقد أي مقومات عملية لإعادة إنتاجها دوليا”، معتبرا أن “مسار الانفصال قد انتهى فعلياً، وأن الواقع القانوني والسياسي يكرس السيادة المغربية على كامل الأقاليم الجنوبية”.
اتفاق يرسخ الشراكة الاقتصادية ويعمق الترابط التجاري
يمثل اعتماد الاتفاق الزراعي الجديد خطوة عملية نحو تعزيز التعاون بين المغرب والاتحاد الأوروبي، خاصة في القطاعات المرتبطة بالأمن الغذائي والتزود بالمواد الأساسية. ويستفيد المغرب، باعتباره المزود الأول لأوروبا بالخضروات والفواكه وفي مقدمتها الطماطم، من شروط تفضيلية في ولوج السوق الأوروبية، بينما يستفيد الاتحاد بدوره من استقرار سلاسل الإنتاج الزراعي المغربية التي أثبتت خلال السنوات الأخيرة مرونتها وقدرتها على تلبية الطلب الأوروبي.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المبادلات الزراعية بين الطرفين بلغت سبعة مليارات يورو عام 2024، أي حوالي 12 في المئة من إجمالي تجارة السلع، مع تسجيل المغرب فائضا تجاوز ملياراً وأربعمئة مليون يورو. كما يوفر الاتحاد الأوروبي نحو ستين في المئة من حاجيات المغرب من القمح، ما يجعل الشراكة الزراعية أحد أعمدة الأمن الغذائي للطرفين.
وفي تصريح حديث، شدد مفوض الاتحاد الأوروبي للزراعة والتنمية القروية كريستوف هانسن على ضرورة تطوير رؤية جديدة للعلاقات الزراعية مع المغرب تمتد لخمس سنوات، مؤكدا أن تعزيز القدرة التنافسية للقطاع الزراعي الأوروبي يمر عبر شراكات قوية مع دول الجوار وفي مقدمتها المغرب.
رسائل سياسية أبعد من الاقتصاد
لا يقتصر دلالات تصويت البرلمان الأوروبي على الجوانب التقنية المتعلقة بتحديد منشأ السلع. فرفض التعديلات المدعومة من الانفصاليين يحمل إشارات سياسية تتجاوز القطاع الزراعي لتطال التوازنات الإقليمية في شمال إفريقيا.
فبالنسبة لكثير من المتابعين، يكشف هذا التصويت عن تراجع قدرة الجزائر على التأثير في المؤسسات الأوروبية، وتحديداً بعد القرار الأممي الأخير الذي عزز مرجعية مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد قابل للتطبيق. كما يعكس رغبة أوروبية في الحفاظ على استقرار علاقاتها الاقتصادية مع المغرب في ظل سياق عالمي يتسم بتقلبات اقتصادية وجيوسياسية حادة.
ويظهر أن المؤسسات الأوروبية باتت تتجه نحو فصل الملفات القانونية عن أوراق الضغط السياسي، واعتبار الشراكة مع المغرب جزءا من استراتيجية أوسع للأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي في الضفة الجنوبية للمتوسط.
انتصار للدبلوماسية الاقتصادية المغربية
يمثل اعتماد الاتفاق الزراعي من البرلمان الأوروبي لحظة مفصلية تؤكد أن التعاون بين الرباط وبروكسل يتخطى الأزمات العابرة وأنه يستند إلى مصالح مشتركة متينة. كما يشكل رفض التعديلات الانفصالية مؤشرا على انحسار تأثير الخطاب الانفصالي داخل المؤسسات الأوروبية، في موازاة صعود رؤية واقعية تعتبر الشراكة مع المغرب خيارا استراتيجيا لا يمكن الالتفاف عليه.
وفي ظل هذا السياق، يبدو أن الرباط تكرس مكاسب جديدة على المستويين الاقتصادي والسياسي، مستفيدة من موقعها كشريك موثوق لأوروبا ومن قدرتها على بناء توافقات اقتصادية تعزز حضورها في سلاسل التوريد الغذائية للقارة العجوز.