وفد غامض في تندوف… عندما تصبح مخيمات البوليساريو محطة لرحلات “المحور” السياحية

بوشعيب البازي

في الأيام الماضية، ظهر وفد ديني – سياسي قادم من المنطقة الرمادية الممتدة بين طهران وبيروت داخل مخيمات البوليساريو. زيارة لم تكن مدرجة في أجندة الأمم المتحدة، ولا في سجلات المجموعة الدولية، ولكنها كانت مدرجة – وبكل أريحية – في دفتر زيارات الأنظمة التي تبحث عن موطئ قدم خارج حدودها عبر بوابات رخوة ونقاط ضعف مكشوفة.

هذه الزيارة ليست حدثًا عابرًا، بل حلقة جديدة في مسلسل العلاقة التي يحاول البعض إخفاءها بين الجبهة الانفصالية ومحور إقليمي يجيد الاستثمار في الأزمات. الجديد في القصة أن الوفد نفسه سبق له أن قام، قبل سنوات، بجولة غامضة في نيجيريا للقاء عناصر من تنظيم متطرف. من هناك تبدأ الأسئلة العاقلة، وتنتهي عند أجوبة أقل عقلانية يقدمها النظام الجزائري، الذي يصرّ على تبرئة نفسه من كل علاقة غير مريحة، بينما الوقائع تخرج إلى العلن واحدة تلو الأخرى.

المشهد اليوم يبدو أكثر وضوحًا، الجزائر تتقدم بخطوات ثابتة نحو محور طهران ، بيروت، سياسيًا وعسكريًا، حتى وإن حاولت البيانات الرسمية تقديم صورة مضادة. فبعد سنوات من الإنكار، خرجت الدبلوماسية الإيرانية نفسها لتعترف بأنها زوّدت البوليساريو وبعض الأطراف الإقليمية بطائرات مسيّرة وصواريخ، من النوع الذي اختُبر في ساحات معارك أخرى. رسالة سياسية واضحة: شمال إفريقيا بات جزءًا من خارطة النفوذ الجديدة.

أما النظام الجزائري، فعوض أن يجيب عن الأسئلة الحقيقية، يكتفي بإطلاق دخان كثيف من الاتهامات المتبادلة، محاولًا إخفاء حقيقة أن البلاد تحولت إلى بوابة مفتوحة أمام لاعبين خارجيين يجدون فيها بيئة سياسية هشة، وصراعات داخلية قابلة للاستثمار، وحديقة خلفية يمكن من خلالها التأثير في المنطقة.

في كل مرة يظن الجزائريون أن صفحة ما قد طُويت، يظهر فاعل خارجي جديد، وصفقة سرية جديدة، وتسريب إضافي يعيد تشكيل المشهد. كل ذلك بينما يعيش الشعب أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، ويقف النظام مشغولًا بسباق المحاور بدل سباق التنمية.

اليوم، لم يعد السؤال ، هل هناك علاقة بين النظام الجزائري وبعض القوى الإقليمية؟ بل أصبح السؤال الحقيقي، ما الذي يدفع نظامًا يمتلك إمكانات هائلة إلى الارتماء في أحضان محاور خارجية بدل بناء مشروع وطني قادر على حمل البلاد إلى المستقبل؟

سيكتب التاريخ عن أنظمة اختارت الاستثمار في التعليم والصناعة والعدالة الاجتماعية… وسيكتب أيضًا عن أنظمة اختارت الاستثمار في الطائرات المسيّرة والزيارات الغامضة، معتقدة أنها بذلك تصنع نفوذًا، بينما هي في الحقيقة لا تصنع سوى العزلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com