منذ تعيينه على رأس ولاية أمن القنيطرة، لم يحتج اسم مصطفى الوجدي إلى حملات ترويجية أو بلاغات رسمية ليحجز مكانه في النقاش العمومي. حضوره فُرض بهدوء، من الميدان، من الشارع الذي يشكّل الامتحان الحقيقي لأي مسؤول أمني، حيث تُقاس النجاعة بميزان الثقة لا بعدد التصريحات.
على خلاف نمط تدبيري شائع يكتفي بإدارة الملفات من خلف المكاتب، اختار الوجدي مقاربة مختلفة، النزول اليومي إلى الميدان. يقود سيارته بنفسه، يجوب الأحياء، يراقب الوضع الأمني عن قرب، ويتابع تفاصيل صغيرة غالبًا ما لا تنقلها التقارير الإدارية. حضوره الليلي في الشوارع، أحيانًا إلى ساعات متأخرة من الفجر، لم يكن استعراضًا بقدر ما كان رسالة واضحة: المسؤولية تبدأ من المتابعة المباشرة.
هذا الخيار الميداني لم يكن معزولًا عن فلسفة أوسع في التدبير، قوامها الإنصات للمواطن باعتباره شريكًا في صناعة الأمن، لا مجرد موضوع للضبط. الوجدي يؤمن أن الأمن الفعّال لا يُفرض عموديًا فقط، بل يُبنى أفقيًا، من خلال فهم انتظارات السكان، واستيعاب تعقيدات الفضاء الحضري، والتفاعل السريع مع الإشكالات اليومية.
نتائج هذه المقاربة لم تتأخر في الظهور. خلال فترة وجيزة، شهدت القنيطرة تحسنًا ملحوظًا في الإحساس بالأمن، وتراجعًا في مظاهر الفوضى والانحراف، مع تحوّل نوعي في طبيعة التدخلات الأمنية. لم تعد المقاربة محصورة في مخالفات السير أو الحملات الظرفية، بل اتجهت نحو محاربة الجريمة بمختلف أشكالها، وتعزيز سرعة الاستجابة لشكايات المواطنين، في إطار يحترم القانون دون تساهل، ويصون الحقوق دون ارتخاء.
داخليًا، داخل أسوار ولاية الأمن، انعكس هذا الأسلوب على المناخ المهني. بعد سنوات من الضغط والتوتر، أصبح العديد من الموظفين يشتغلون في أجواء يسودها الاحترام والانضباط والشعور بالتقدير. مقاربة تدبيرية أعادت الاعتبار للعنصر البشري، باعتباره حجر الزاوية في أي سياسة أمنية ناجحة.
ما يميز تجربة مصطفى الوجدي أنها لا تقوم على الشعارات، بل على التجسيد العملي للرؤية الحديثة للمديرية العامة للأمن الوطني، أمن القرب، النجاعة، الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. رؤية تُترجم يوميًا في الشارع، لا في الخطابات.
القنيطرة اليوم ليست كما كانت بالأمس.
مدينة تستعيد تدريجيًا هدوءها، وتبني علاقة ثقة متجددة مع مؤسستها الأمنية، بفضل مسؤول اختار أن يجعل من القدوة أساسًا للأمن، ومن العمل الصامت طريقًا لاستعادة الهيبة.