الرباط – لا تُقاس بعض المباريات بنتيجتها فقط، بل بثقلها الرمزي وما تختزنه من ذاكرة كروية جماعية. هكذا يبدو لقاء كوت ديفوار والكاميرون، المقرر غداً الأحد في مراكش ضمن الجولة الثانية من منافسات المجموعة السادسة لكأس الأمم الإفريقية بالمغرب، مواجهة تتجاوز حسابات النقاط لتلامس جوهر الصراع على الزعامة القارية.
يدخل المنتخبان المباراة وهما في موقع متكافئ من حيث الرصيد، بثلاث نقاط لكل منهما، غير أن ميزان الطموح مختلف في العمق. فالأفيال الإيفوارية تخوض البطولة بعقلية البطل المدافع عن لقبه، فيما تأتي الكاميرون مدفوعة بهاجس استعادة هيبة تاريخية صنعتها ألقاب ونجوم وأجيال لا تزال حاضرة في الذاكرة الإفريقية.
كوت ديفوار… بطل يتصرف بهدوء
قدّم المنتخب الإيفواري في مباراته الافتتاحية صورة لفريق يعرف ما يريد. فوزه على موزمبيق لم يكن استعراضياً، لكنه حمل دلالات فريق ناضج تكتيكياً، قادر على إدارة المباريات بأقل مجهود وأكبر قدر من الفعالية. هدف أماد ديالو لم يكن مجرد لقطة فردية، بل خلاصة منظومة هجومية بدأت تتبلور بثقة.
المدرب إيميرسي فاي نجح في ترسيخ توازن واضح بين الخطوط، مستنداً إلى وسط ميدان يفرض إيقاعه بفضل خبرة فرانك كيسي وقوة سانغاري البدنية، مع إضافة جان ميشيل سيري كعنصر يربط الدفاع بالهجوم. هذا الانسجام منح “الأفيال” صلابة واضحة، جعلت الفريق يبدو أقل عرضة للمفاجآت وأكثر قدرة على التحكم في تفاصيل اللقاءات الكبرى.
كاميرون… إرث ثقيل ورغبة في التمرّد
في المقابل، تخوض الكاميرون المباراة بعقلية مختلفة، عنوانها كسر التوقعات. الفوز على الجابون في الجولة الأولى، بهدف مبكر سجله كارل إيتا إيونغ، أعاد بعض الثقة لمنتخب مرّ بفترات من التذبذب خلال الأشهر الماضية. ورغم غياب أسماء وازنة اعتاد الجمهور الإفريقي رؤيتها في المواعيد الكبرى، فإن “الأسود غير المروّضة” أظهروا قدرة على التعويض بروح جماعية عالية.
المدرب ديفيد باجو يراهن على الانضباط الدفاعي والتحولات السريعة، مستفيداً من القوة البدنية لكارلوس باليبا في وسط الميدان، ومن لمسة برايان مبيومو القادرة على صناعة الفارق في المساحات. ويُنتظر أن يشكل هذا الأسلوب اختباراً حقيقياً لدفاع كوت ديفوار، خاصة في لحظات فقدان الكرة.
صراع الأرقام والتاريخ
تحمل مواجهات المنتخبين تاريخاً ثقيلاً من الندية والتقلبات. ففي 21 مواجهة سابقة، تميل الكفة بشكل طفيف لصالح كوت ديفوار بعشرة انتصارات مقابل تسعة للكاميرون، مع أفضلية معنوية للأفيال في السنوات الأخيرة بعد سلسلة من النتائج الإيجابية أمام منافسهم التقليدي.
غير أن مثل هذه المعطيات تفقد الكثير من وزنها في بطولات كأس الأمم الإفريقية، حيث غالباً ما تُحسم المباريات على تفاصيل صغيرة: هفوة دفاعية، لمسة فردية، أو قرار تكتيكي في توقيت حاسم. وفي هذا السياق، يواجه الهجوم الإيفواري تحدياً إضافياً يتعلق بفعالية ويلفريد زاها، الذي لم يقدم الأداء المنتظر في اللقاء الأول، ما يفتح الباب أمام تغييرات محتملة لتعزيز النجاعة الهجومية.
ما بعد التسعين دقيقة
أبعد من حسابات التأهل المبكر، تبدو هذه المباراة بمثابة اختبار هوية للمنتخبين. كوت ديفوار تسعى لتكريس نفسها قوة مستقرة قادرة على فرض سيطرتها بهدوء، بينما تحاول الكاميرون إثبات أن تاريخها لم يتحول إلى عبء، بل لا يزال مصدر إلهام قادر على إنتاج لحظات مفصلية.
في مراكش، حيث تختلط حرارة المدرجات بنبض القارة، سيكون الصدام أكثر من مجرد مباراة دور مجموعات. إنه لقاء بين ذاكرة تبحث عن بعث جديد، وقوة صاعدة تريد تثبيت موقعها على عرش إفريقيا.