سانتياغو – تشيلي.
في ليلةٍ من ليالي التاريخ الرياضي، رفع أشبال الأطلس كأس العالم لأقل من 20 سنة، بعد فوزٍ مستحق على المنتخب الأرجنتيني بهدفين نظيفين في نهائي مثير احتضنته العاصمة سانتياغو. لم يكن هذا التتويج مجرد انتصار كروي، بل لحظة رمزية تجسد عبقرية المشروع المغربي في تكوين الأجيال، وتكشف في الوقت نفسه عن القوة الناعمة لمغاربة العالم الذين يبدعون في كل الميادين، وخصوصاً في كرة القدم.
انتصار يتجاوز المستطيل الأخضر
ما تحقق في تشيلي هو أكثر من بطولة رياضية. إنه انتصار لهوية مشتركة، تُكتب بأقدام أبناء المهجر وقلوبهم المعلقة بالوطن.
أغلب عناصر المنتخب المغربي المتوّج وُلدوا أو تدرّبوا في أوروبا، بين بلجيكا وفرنسا وهولندا وإسبانيا. ومع ذلك، حين عزف النشيد الوطني، لم يتردد أحدهم في ترديده بعين دامعة، وكأن المسافة بين الضفتين ذابت في لحظة فخر جماعي.
لقد أثبت هذا الجيل أن الانتماء لا يُقاس بعنوان الميلاد، بل بما تحمله الروح من حبٍّ للأصول ووفاءٍ للراية.
بصمة بلجيكية على المجد المغربي
من بلجيكا تحديداً، حيث تُعتبر مدارس كرة القدم من بين الأفضل في أوروبا، جاءت ملامح هذا التتويج.
المدرب محمد وهبي، الذي قضى أكثر من 15 سنة في مركز تكوين نادي أندرلخت الشهير، قاد أبناءه إلى مجدٍ غير مسبوق. إلى جانبه، تألق اللاعبون علي معمار، أنس تجاوارت وإسماعيل بوعوف، جميعهم خريجو أكاديمية نيربيد البلجيكية، التي تحولت عملياً إلى أحد منابع المواهب المغربية في أوروبا.
أما ياسين خليفي، لاعب شارلوروا، فكان أحد أضلاع هذا الجيل الذي جمع بين الانضباط الأوروبي والمهارة المغربية الأصيلة.
نجاح مغاربة العالم.. من الميدان إلى المجتمع
هذا التتويج ليس سوى مرآة لنجاحات أوسع لمغاربة العالم في مجالات شتى: في الطب والهندسة والسياسة والفنون، كما في كرة القدم.
جيل المهجر المغربي اليوم يمثل وجهًا حديثًا للمواطنة العالمية: شباب يتحدثون لغاتٍ عدة، ينتمون لثقافات مختلفة، لكنهم لا يتخلّون عن جذورهم.
في الملعب كما في الحياة، يبرهنون أن الهجرة ليست هروبًا من الهوية، بل امتدادًا لها. إنهم صورة عن المغرب المتجدد، المنفتح، الواثق من نفسه.
من الدوحة إلى سانتياغو: استمرارية الحلم المغربي
منذ الملحمة التاريخية في مونديال قطر 2022، مرورًا ببرونزية الألعاب الأولمبية في باريس، وصولاً إلى تتويج أشبال الأطلس في تشيلي، يبدو أن الكرة المغربية تسير بخطى ثابتة نحو العالمية.
وهو مسار لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الاستراتيجية للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بقيادة فوزي لقجع، التي جعلت من التكوين والاستثمار في الشباب ركيزة أساسية للمشروع الرياضي الوطني.
رمزية التتويج.. هوية تتجدّد
يحمل هذا التتويج معاني أبعد من الذهب والكؤوس.
إنه انتصار لجيل يؤمن بأن النجاح ليس حكرًا على مكان الولادة، بل هو ثمرة انتماء عميق للوطن الأم مهما ابتعدت المسافات. جيل ولد في بروكسيل أو أمستردام أو باريس، لكنه حمل في قلبه نبض مراكش وفاس وطنجة.
المغرب الجديد
يستعد المغرب ليكون أحد منظمي كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، لكن يمكن القول إن الاستعداد الحقيقي بدأ منذ اليوم.
فجيل الأشبال هذا ليس مجرد فريق كروي، بل إعلان عن مغرب عالمي جديد، مغربٍ تتكامل فيه كفاءات الداخل والخارج، وتلتقي فيه الهوية بالاحتراف، والجذور بالأفق.
لقد فاز المغرب بكأسٍ عالمية…
لكن الأهم أنه فاز بجيلٍ عالمي.