احتفال باهت لعيد الاستقلال في بلجيكا واللوكسمبورغ: غياب القناصلة والمجتمع المدني يكشف أزمة تنظيمية متواصلة

بوشعيب البازي

لم يكن حفل عيد الاستقلال الذي نظمته سفارة المغرب ببلجيكا واللوكسمبورغ يوم 18 نونبر سوى نسخة جديدة من سلسلة “الأنشطة الرسمية التي لا يحضرها إلا… من لم يتلقَّ دعوة”. فبينما تحدّث البلاغ الرسمي عن “حضور واسع” و“مشاركة مكثفة للمجتمع المدني”، كانت القاعة تقول شيئاً آخر تماماً، وجوه قليلة، وغياب كامل لمن يفترض أن يكونوا في الصفوف الأولى.

القناصلة… خارج اللائحة

أول ما أثار الانتباه هو إقصاء القناصلة وعدم توجيه الدعوة لهم أصلاً. الخطوة أثارت الكثير من التساؤلات داخل الجالية، خصوصاً وأنهم يشكلون جزءاً أساسياً من التمثيلية الدبلوماسية. لكن يبدو أن لوائح الدعوات فقدت بوصلتها، أو ربما أُريد لها أن تفقدها، لتجنب حضور أصوات غير مرغوب فيها داخل القاعة.

المثير للسخرية أن هذا الإقصاء لم يُبرَّر ولم يُوضَّح، بل بدا وكأنه إجراء “عادي” في أجندة مناسبات أصبحت تُدار بمنطق المزاج والانتقائية.

إهانة ديبلوماسية… تتجاوز القناصلة لتصل إلى رأس الجهاز الدبلوماسي

إقصاء القناصلة من مناسبة وطنية بحجم عيد الاستقلال لا يمكن اعتباره “سهوًا بروتوكوليًا” أو خطأً تقنياً. الأمر أبعد من ذلك بكثير. فأن يتم استبعاد ممثلي المملكة من أهم محطة وطنية في أجندة السفارات، فهذا لا يُعد إهانة للقناصلة فقط، بل مساساً بكرامة الدبلوماسية المغربية نفسها، وبالوزارة المشرفة عليها، وعلى رأسها ناصر بوريطة. لقد عشنا لنرى ممثلين عن أحزاب داخل سفارات يقصون، بكل بساطة وجرأة، رجال الدولة الذين يمثلون المغرب رسمياً. مشهد عبثي لا يحدث إلا عندما يختلط العمل الدبلوماسي بممارسات بعيدة عن المهنية، فيتحول الاحتفال من لحظة رمزية جامعة إلى مناسبة لتصفية حسابات صغيرة لا تليق بمؤسسات الدولة

المجتمع المدني… يُستدعى فقط لملء المقاعد

الطامة الكبرى كانت في الطريقة التي تعاملت بها السفارة مع المجتمع المدني. فكما جرت العادة، تُرسل الدعوات فقط عندما تكون القاعة فارغة أو عندما يكون غياب الشخصيات الرسمية متوقعاً مسبقاً. حينها، يصبح الفاعلون الجمعويون مجرد “جمهور احتياطي” يُستدعى بالهاتف أو عبر رسائل اللحظة الأخيرة لإنقاذ الصورة أمام عدسات الكاميرات.

أما في هذه المناسبة، فلم يُرسل شيء تقريباً. لتبقى القاعة على حالها: رحبة… أكثر مما ينبغي.

احتفالات بلا حرارة… وطقوس بلا روح

الاحتفال نفسه كان استكمالاً لسلسلة طويلة من الأنشطة الباهتة التي تُنظَّم في السنوات الأخيرة. نفس القالب، نفس اللغة، نفس الكلمات التي حفظها الجميع عن ظهر قلب، وكأن الزمن لا يتحرك. الحضور القليل زاد من برودة الأجواء، فيما بقيت الخطب تحوم في الهواء باحثةً عن تصفيقٍ غير موجود.

المفارقة أن البلاغ الرسمي تحدث عن “تنويه بالجالية” و“اعتزاز كبير بها”، بينما لم يحضر فعلياً سوى عينة محدودة جداً، معظمها من المدعوين الذين جاؤوا فقط احتراماً للمناسبة الوطنية، لا للمنظمين.

بين الرواية الرسمية والواقع… فجوة تتسع

ما كُتب في البلاغ شيء، وما جرى في القاعة شيء آخر تماماً. القاعة الفارغة لا تكذب. والحضور الغائبون لا يحتاجون تأكيداً. والمناسبات الوطنية التي تُدار بهذه الطريقة تفقد تدريجياً قيمتها ورمزيتها.

فالاستقلال الذي نحتفل به لم يكن استقلالاً شكلياً، بل محطة تأسيسية في تاريخ المغرب. أما الاحتفال الأخير، فكان أقرب إلى عرض بروتوكولي بلا مضمون، يثير الشفقة أكثر مما يعكس عمق المناسبة.

خلاصة المشهد

ما وقع في احتفال 18 نونبر لم يكن حادثاً معزولاً، بل نتاج منهجية كاملة أصبح فيها الإقصاء قاعدة، والارتجال تقليداً، وملء القاعة هدفاً بحد ذاته.

وحتى إشعار آخر، يبدو أن الاحتفالات الرسمية في بلجيكا واللوكسمبورغ ستظل على حالها، حضور قليل، دعوات انتقائية، وبلاغات جميلة لا علاقة لها بالواقع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com