كأس العالم: حين يهيّئ المغرب مدنه للمستقبل… ويؤجل بعض مشاكله إلى ما بعد 2030!

بوشعيب البازي

في المغرب الجديد، حيث تجري التحضيرات على قدم وساق لتنظيم كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، لا صوت يعلو فوق صوت التهيئة. طرق تُعبد، أرصفة تُرصّ، لوحات تُطلَى، والمواطن يُطالَب بالصبر لأن “البلاد غادا للقدّام”. لكن، وبينما تنشغل السلطات بهدم ما تبقى من العشوائيات وإزالة الكراجات وصدّ جيوش “الگارديانات”، ثمة ظاهرة تمشي على قدمين وتتكاثر في صمت، ظاهرة لم تنفع معها لا الجرافات ولا محاضر المعاينة، إنها “الهجرة غير النظامية متعددة الجنسيات… بشعار: أفريقيا للمغاربة!”

لسنا هنا بصدد جلد الضيوف، ولا التحامل على طالبي العبور نحو الفردوس الأوروبي، لكن الواقع أحيانًا يُجبرنا على طرح السؤال الذي يحاول كثيرون تجنبه، من يتحكم اليوم في بعض الأحياء الهامشية بالدار البيضاء، طنجة، فاس، والرباط؟ أهي السلطات المحلية أم “عصابات أفارقة جنوب الصحراء” التي انتقلت من حالة الهشاشة إلى مرحلة التنظيم الذاتي، مرورًا بتأسيس “لوبيات” غير معلنة تدير سوق التهريب والهجرة والاحتلال؟

لقد تابع المغاربة، بذهول، كيف تحولت بعض أزقة العاصمة الاقتصادية إلى ساحات حرب بـ”الأسلحة البيضاء جداً”، وكيف باتت مشاهد الكر والفر بين المهاجرين ورجال الأمن جزءًا من النشرات اليومية على مواقع التواصل. الأمن المغربي الذي يحاول التعامل مع الملف بحذر دبلوماسي، يجد نفسه أحيانًا في مرمى السكاكين بدل الأسئلة الصحفية، وذاك عندما تنفلت زمام “التعايش” ويضيع الفرق بين حق اللجوء وحق الذبح.

بطبيعة الحال، لا أحد ينكر المجهودات التي بذلتها المملكة في ملف الهجرة. فقد تم تسوية أوضاع الآلاف، ودمج المئات في سوق الشغل، بل وفتح المدارس والمستشفيات في وجه الجميع، باسم الإخوة الأفريقية والتضامن العابر للقارات. لكن، ماذا عن أولئك الذين يرفضون الاندماج، ويُفضلون التموقع كجماعات ضغط تحت شعار: “أوروبا أو الفوضى”؟

في مشاهد تتكرر، يُهاجَم المواطنون في محطات القطار والحافلات من طرف مجموعات تسعى للسيطرة على “الطريق نحو طنجة”، فيما يتم تهديد سائقي الطاكسيات الرافضين لركوبهم، وتُفرض “إتاوات” في بعض الأحياء كتذكرة عبور غير رسمية. حتى رجال السلطة أصبحوا يتعاملون مع هذه الظاهرة بقفازات حريرية وصدور واقية، بعد أن ثبت أن بعض المهاجرين لا يحملون سوى جواز سفر مزور وسكين حقيقي.

ومع اقتراب مواعيد كأس العالم، تظهر المفارقة ساخرة حدّ الألم، المغرب يخلّي الملك العمومي من الباعة المتجولين حفاظًا على الصورة، ويهدم “براريك” الساكنة الهشة تحت شعار التحديث، لكنه يترك بعض الأحياء تتحول إلى “غابات بشرية” لا قانون فيها إلا قانون العصابة.

فهل يعقل أن يكون لدينا قطارات TGV و”جيت سكي” لنقل السياح، بينما بعض المدن تعيش على إيقاع الرعب اليومي بسبب مهاجرين غير نظاميين؟ هل يعقل أن يُحاكم مغربيٌ لأنه بنى عشوائيًا فوق متر مربع، بينما يُحتل الحي بأكمله من طرف جماعة دخيلة تنتهك كل القوانين بلا حسيب ولا رقيب؟

لا أحد يطالب بالترحيل الجماعي، فالمغرب بلد التسامح، لكن لا أحد أيضًا يرضى أن يُصبح الأمن العام رهينة لحسابات خارجية أو شعارات حقوقية مستوردة. فكما هناك “تنظيم” استعدادًا للمونديال، يجب أن يكون هناك “تنظيم” داخلي للسلامة المجتمعية، لأن المشجع الإسباني القادم في 2030 قد يعجب بملاعبنا، لكنه سيعود إلى بلده فور أن يُسرق هاتفه في “المدينة الخضراء”.

لقد آن الأوان لتجاوز خطاب “الحضن الإفريقي” حين يتعلق الأمر بمن يرفضون القانون المغربي ويصرون على فرض نمط معيشي خاص بهم، قائم على الشغب، العنف، والتسلل الليلي نحو سبتة ومليلية.

وفي انتظار أن تُحسم الأمور من فوق، يظل المواطن المغربي متروكًا في الشارع، يُزاوج بين التحضير لكأس العالم ومهارة الركض لتفادي الضرب بالساطور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com