المغرب وشركاء الساحل: الأطلسي بوابة جديدة للتنمية والتكامل الإفريقي

بوشعيب البازي

في مشهد دبلوماسي لافت، أشاد وزراء خارجية تحالف دول الساحل — مالي، بوركينا فاسو، والنيجر — بالدور الريادي للمملكة المغربية تحت قيادة الملك محمد السادس في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية للقارة الإفريقية، واصفين المبادرات الملكية بـ”الفرصة الثمينة” لتجاوز التحديات البنيوية التي تعاني منها المنطقة.

جاء ذلك على هامش مشاركتهم في المؤتمر الدولي الرابع للأمم المتحدة حول تمويل التنمية، المنعقد في مدينة إشبيلية، حيث أبرز الوزراء الثلاثة المقاربة المغربية المتكاملة والواقعية، الهادفة إلى تعزيز التعاون جنوب – جنوب، وتيسير ولوج الدول غير الساحلية إلى المحيط الأطلسي، بما يتيح لها فك العزلة الجغرافية والانفتاح على السوق الدولية.

دعم ملكي استراتيجي

الوزير النيجري بكاري ياوو سانغاري سلط الضوء على الدعم الكبير الذي تقدمه المملكة لتطوير التعاون الإفريقي وتمويل الاستثمارات، مؤكداً أن المغرب بات شريكاً محورياً في نقل الخبرات وتنمية الكفاءات، لا سيما في دول الساحل. أما الوزير البوركينابي كراموكو جان ماري تراوري، فاعتبر أن أولى مشاريع التنمية التي شهدتها بلاده كانت بقيادة وتمويل مغربي، مشيراً إلى أن المغرب “فاعل رائد” في ترسيخ التضامن الإفريقي من موقع يحترم سيادة وكرامة الشركاء.

وفي السياق ذاته، شدد الوزير المالي عبدالله ديوب على أهمية تمكين دول الساحل من الوصول إلى الأسواق العالمية كشرط أساسي لتحويل اقتصاداتها وتعزيز أمنها، قائلاً: “لا تنمية دون أمن، ولا أمن دون تعاون إقليمي فعّال”.

المبادرة الأطلسية: من رؤية ملكية إلى مشروع قاري

وقد شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الـ48 للمسيرة الخضراء، نقطة تحول مفصلية في الرؤية المغربية للتكامل القاري، حيث أطلق العاهل المغربي “الاستراتيجية الأطلسية” التي تروم تحويل الساحل إلى فضاء اقتصادي حيّ، من خلال تمكينه من منفذ بحري عبر شبكة طرق حديثة وبنية تحتية لوجستية متطورة، تخترق الجغرافيا وتعيد رسم ملامح التعاون الإقليمي وفق معادلة المصالح المتبادلة.

ويصف المحلل المغربي محسن الندوي، رئيس المركز المغربي للدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية، المبادرة الأطلسية بأنها “ترجمة عملية لرؤية ملكية جعلت من المغرب جسراً تنموياً بين إفريقيا وأوروبا”، مشدداً على أن نجاح المشروع رهين بانخراط باقي دول المنطقة، واستغلال الظرفية الدولية التي تتسم بإعادة تشكيل موازين القوى ونهاية منطق الهيمنة الأحادية.

وأضاف الندوي في تصريح له أن “ضعف الناتج الإجمالي المحلي لدول الساحل، وغياب الأمن في فضاء تنتشر فيه الجريمة المنظمة، يمثلان تحديين كبيرين أمام تنزيل المبادرة الملكية”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المشروع يمكن أن يشكل قاطرة لإنعاش التكتلات الاقتصادية الإفريقية، خصوصاً في ظل انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر من منظمة “إيكواس”.

ما بعد “إيكواس”: تكامل بديل بشراكة مغربية

انسحاب الدول الثلاث من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في يناير الماضي، فتح الباب أمام إعادة رسم تحالفات إقليمية جديدة، خصوصاً بعدما اتهمت “إيكواس” بفرض عقوبات “غير إنسانية” عليها، والتقاعس عن دعمها في مواجهة الجماعات الإرهابية.

وفي هذا السياق، تبرز المبادرة المغربية كمظلة بديلة لتكامل جديد لا يقوم على الإملاءات، بل على الثقة والندية والتعاون متعدد الأطراف، في ظل تحولات عالمية تجعل من الشراكات المتكافئة ضرورة لا ترفاً.

المغرب، بما يمتلكه من رصيد دبلوماسي وثقل جيوستراتيجي، يقدّم اليوم عرضاً تنموياً حقيقياً لدول الساحل. عرض لا يكتفي بمد الجسور اللوجستية، بل يروم إعادة صياغة علاقة إفريقيا بذاتها وبالعالم، على قاعدة التكامل، لا التبعية.

ولعل ما يجعل من المبادرة الملكية الأطلسية نقطة فارقة، هو أنها لا تقدم حلولاً آنية فقط، بل تفتح أفقاً استراتيجياً لإفريقيا جديدة… تنبثق من الأطلسي، وتطل على العالم بثقة واستقلالية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com