ربع المهاجرين في ألمانيا يفكرون في مغادرتها بسبب العنصرية وصعوبات الاندماج
أعاد تقرير حديث صادر عن معهد أبحاث سوق العمل والمهن في ألمانيا تسليط الضوء على التحديات المتزايدة التي يواجهها المهاجرون في البلاد، بعدما كشف أن نحو 2.6 مليون مهاجر، أي ما يعادل ربع المهاجرين، يفكرون جديًا في مغادرة ألمانيا.
في تصريحات لوكالة “الأناضول”، أوضح المحامي المتخصص في قضايا الهجرة فاتح زينغال أن تصاعد العنصرية وصعوبة الاندماج في المجتمع الألماني يقفان وراء تنامي ما يُعرف بـ”الهجرة العكسية”، مشيرًا إلى أن العديد من المهاجرين يفكرون إما في العودة إلى بلدانهم الأصلية أو الانتقال إلى دول أوروبية أخرى.
الفئة المتعلمة في طليعة المغادرين
الدراسة التي أصدرها المعهد الحكومي أظهرت أن النسبة الأكبر من الراغبين في المغادرة هم من ذوي التعليم العالي، مما يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل القوى العاملة المؤهلة في البلاد.
وأبرزت الدراسة أن النية في الرحيل كانت الأعلى في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 39%، تلاه القطاع المالي بنسبة 30%، ثم قطاع الصحة والخدمات الاجتماعية بنسبة 28%. وقد شملت الدراسة مهاجرين قدموا إلى ألمانيا لأسباب مختلفة تتراوح بين العمل والتعليم ولمّ الشمل العائلي.
عزلة ثقافية وروابط اجتماعية ضعيفة
يؤكد زينغال أن المهاجرين يعانون من صعوبات عميقة في التكيّف الثقافي، لافتًا إلى أن الطبيعة المنغلقة للمجتمع الألماني تؤثر سلبًا على قدرة الوافدين الجدد على بناء علاقات اجتماعية.
وقال: “قد يأتي مهندس من الهند ويبدأ عمله، لكن مع من سيبني شبكة اجتماعية؟ فالحياة في ألمانيا تتمحور حول العمل، ونادرًا ما يبادر الألمان إلى العلاقات خارج إطار العمل”.
هذا الوضع يدفع الكثير من المهاجرين إلى الانعزال ضمن مجتمعاتهم العرقية وتشكيل جمعيات خاصة، مما يزيد من تعقيد الاندماج.
عنصرية متزايدة ومخاوف اقتصادية
وأشار زينغال إلى أن تزايد العنصرية المعلنة يمثل سببًا رئيسيًا في قرار العديد من المهاجرين بالمغادرة. وأوضح أن حزب البديل من أجل ألمانيا (اليميني المتطرف) حصل على نحو 25% من الأصوات في الانتخابات المبكرة التي جرت في فبراير 2025، ما يعكس تنامي الفكر المعادي للأجانب.
وأضاف: “العنصرية باتت ملموسة في الدوائر الحكومية، في المدارس، وفي الحياة اليومية. عندما تشعر بأن واحدًا من كل أربعة أشخاص يحمل أفكارًا عنصرية ويعبر عنها علنًا، فذلك يولد شعورًا دائمًا بعدم الأمان”.
وحذّر زينغال من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الألماني نتيجة فقدان الكفاءات الأجنبية، مشيرًا إلى أن المهاجرين يواجهون تحديات مضاعفة مقارنة بالمواطنين الألمان، سواء في استئجار منزل أو الحصول على وظيفة.
تفاوت في تطبيق القوانين وغياب للمواقف السياسية الحازمة
رغم وجود تشريعات تحظر التمييز العنصري، يؤكد زينغال أن تطبيقها على أرض الواقع يعاني من خلل واضح، موضحًا أن القانون “قد يكون كافيًا على الورق، لكنه لا يُطبق دائمًا بالشكل المناسب”.
وأشار إلى أن بعض موظفي إنفاذ القانون يتصرفون بتحيّز، قائلاً: “تخيل أن يوقفك شرطي مناصر لحزب متطرف، كيف تتوقع أن يعاملك؟”.
وانتقد المحامي صمت الساسة الألمان حيال تصاعد التمييز، معتبرًا أن الخوف من خسارة أصوات الناخبين يمنعهم من اتخاذ مواقف واضحة، مضيفًا: “بدلًا من مواجهة الفكر العنصري، يسعى بعض السياسيين لاسترضائه”.
أزمة تلوح في الأفق
مع تجاوز عدد سكان ألمانيا 84 مليون نسمة، تحتل البلاد المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد المهاجرين الدوليين بعد الولايات المتحدة والسعودية. إلا أن التحديات المرتبطة بالهجرة تفرض نفسها بقوة على المشهد السياسي والاجتماعي.
وقد دفعت هذه الأزمة حكومة برلين إلى تشديد الرقابة على الحدود وتعهّدها بتسريع عمليات الترحيل، في محاولة لاحتواء الضغوط الداخلية.
لكن في ظل التزايد المطرد في نية المهاجرين المؤهلين مغادرة البلاد، تبقى ألمانيا مهددة بخسارة طاقات بشرية تحتاج إليها بشدة لسد النقص في سوق العمل، مما يضع الاقتصاد الألماني أمام مفترق طرق حاسم.