تبون والبوشي… حين يُعيد الكوكايين ترتيب أولويات السلطة في الجزائر

من قال إن الكوكايين لا يخلق فرص عمل؟ في الجزائر، هو يُعيد تشكيل موازين القوى ويوقظ الأشباح التي ظن عبد المجيد تبون أنها نُومت مغناطيسيًا في أرشيف وزارة العدل. والحدث؟ إعادة إحياء محاكمة “البوشي”، أحد أكثر الملفات إحراجًا لرئاسة تعاني من متلازمة الإفلات من العقاب المزمن. وبين خطوط الكوكايين، يظهر وجه خالد تبون، الابن المدلل لرئيس لا يحب المفاجآت القضائية… إلا إذا كانت مؤجلة إلى أجل غير مسمى.

701 كيلوغرام من الكوكايين… و”ولد الرئيس” بينهم

في 15 يونيو 2025، قرّر القضاء الجزائري – في لحظة شجاعة أو تصفية حسابات – فتح صندوق البوشي من جديد، ذلك المنعش العقاري الذي تحول إلى “ناقل وطني” للكوكايين. في 2018، ضبطت شحنة الـ701 كيلوغرام في ميناء وهران، فاهتزت الجمهورية… قليلاً، قبل أن يتدخل الأب ويعيد ترتيب الأوراق بسرعة، ليخرج خالد، ابنه، من القضية كما تخرج الشعرة من البرّاد الدستوري.

وفي النسخة 2025 من هذه المسرحية القضائية، يبدو أن ثمة من قرّر قلب الطاولة. لا لأن العدالة استفاقت، بل لأن جناحًا داخل النظام ضاق ذرعًا بعصابة القصر، فقرر اللعب بالنار… أو بالأصح، بالكوكايين.

تأجيل إلى “أجل غير مسمى”: اجتهاد قانوني على المقاس الرئاسي

“لم يحدد موعد جديد”… عبارة تقرأها في نشرات الطقس عادة، لكن في الجزائر، تدخل ضمن المصطلحات القانونية الرفيعة. لا أحد يعرف لماذا، ولا كيف. لكن الجميع يعرف “من”. إنه عبد المجيد، الذي يعتقد أن العدالة مثل أضواء الإشارة: حمراء للمعارضين، خضراء للأبناء، وصفراء لمن يتردد في الطاعة.

من الزنزانة إلى الجناح الخاص: سيرة خالد في الحراش

حين سُجن خالد تبون سنة 2018، كان والده قد خرج للتوّ من دوّامة التهميش، بعد إقالته المفاجئة من رئاسة الحكومة. لكن في الجزائر، لا يموت الملف ولا المُدان. بعد صعود تبون إلى الرئاسة، تحوّل خالد إلى ضيف شرف في سجن الحراش. المستوصف حُوّل إلى جناح رئاسي، والمدير يطمئن: “لن يمكث طويلًا”. وهو محق. فـ”السلالة الحاكمة” لا تقضي عقوبات، بل تنتظر توقيعات.

أبناء تبون: حكومة ظل أم شلة نافذين؟

في قصر المرادية، لا يحكم الرئيس وحده. هنالك محمد، المستشار من وراء الستار؛ صلاح الدين إلياس، خبير سيارات الدولة؛ سلوى ومها، سيدتا التعيينات والمكالمات الهاتفية المتبوعة بـ”وافق السيد الرئيس”. هذه ليست عائلة، إنها مجلس إدارة للدولة الجزائرية… على الطريقة الفنزويلية.

من قضية البوشي إلى فضيحة الخليفة: عندما يتكرر السيناريو بلا خجل

تاريخ عبد المجيد تبون ليس دفترًا ناصع البياض. بل هو، بامتياز، نموذج لعقود من “تنظيف الملفات” بالماء القضائي الساخن. في قضية بنك الخليفة، كان تبون وزير الإسكان الذي دفع دواوين الدولة لوضع ودائعها في بنك خاص مملوك لرفيق خليفة، بحجة أنه “كان البنك الوحيد المتاح”. تلقى بطاقة ائتمان فاخرة… دون أن يمتلك حسابًا. سافر، تعالج، صرف، وشرب من نهر الامتيازات، ثم عاد إلى الوزارة منتصرًا.

الرئيس… زعيم عصابة؟

يبدو أن تبون فهم السلطة بطريقته، لا كخدمة عمومية، بل كغنيمة. قضية المعارض “أمير دي زاد”، الذي نجا من محاولة اختطاف وتصفية في فرنسا، بتمويل وتنفيذ من المخابرات الجزائرية، تبيّن حجم الانحراف المؤسساتي. ولأن الصدف لا تنتهي، فقد حظيت العملية بمباركة القصر، وبمساعدة من موظفين رسميين في القنصلية الجزائرية بكريتيل. من الدبلوماسية إلى الإجرام، الخطوة قصيرة.

أما رفض تأشيرة دخول لمحامي الروائي بوعلام صنصال، فكان ردًا شخصيًا على “إهانة أدبية” وجّهها للزعيم. في زمن تبون، لا وجود لـ”قانون”… فقط “الإهانة تُقابل بالمنع”.

نهاية أم بداية؟

إعادة فتح ملف البوشي رسالة داخلية قبل أن تكون رسالة للعدالة. هناك من قرّر أن زمن الحماية الأبوية قد شارف على النهاية. هناك من يهمس في أروقة السلطة أن العائلة الرئاسية تحوّلت من رصيد إلى عبء. والنتيجة؟ عودة قضايا الكوكايين للواجهة، هذه المرة مع نية قطع رأس النظام نفسه.

ظن تبون أن غلق ملف وهران 2018 نهائي. لكن الكوكايين، كالأسرار، لا يُخزن طويلاً. وفي الجزائر، حتى الغبار المدفون يُعيد صياغة الجغرافيا السياسية.

ما بعد الكوكايين؟

في بلد يسير على وقع المحاكمات المفبركة والبراءات السريعة، لن تكون نهاية تبون درامية، بل بيروقراطية: مذكرة إحالة، موعد مجهول، ثم نسيان رسمي. لكن الشعب يتذكّر. والكوكايين لا يُمحى بمرسوم رئاسي. أما خالد؟ فربما يكتب يومًا مذكراته: “كيف علّمني أبي أن أكون فوق القانون… إلى حين”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com