الدبلوماسية المغربية بين دينامية الوزارة وجمود بعض السفارات: حالة بلجيكا نموذجاً

بوشعيب البازي

في ظل الدينامية اللافتة التي يقودها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، لا يمكن إغفال مفارقة لافتة باتت تثير الانتباه في أوساط المهتمين بالشأن الدبلوماسي المغربي ،الحركية التي تعرفها الخارجية على مستوى المبادرات والقرارات الاستراتيجية، تقابلها في بعض الحالات حالة من الجمود على مستوى عدد من السفارات، حيث ظلت بعض الأسماء في مواقعها لسنوات طويلة، في وضع يبدو متنافياً مع روح التغيير والانضباط المؤسساتي الذي تتبناه الوزارة.

وإذا كان من الطبيعي أن تقتضي المصلحة العليا للدولة بعض الاستمرارية في بعض التمثيليات الدبلوماسية الحساسة، فإن ما يثير الاستفهام هو استمرار بعض السفراء في مناصبهم لعقود من الزمن دون تقييم موضوعي لأدائهم أو ملاءمتهم مع التوجهات الجديدة التي ترسمها الوزارة.

خير مثال على هذا الوضع، سفارة المملكة المغربية لدى مملكة بلجيكا، التي يترأسها منذ سنة 2016 السيد محمد عامر، في إقامة تعد الأطول في تاريخ الدبلوماسية المغربية الحديثة. تسع سنوات كاملة من التمثيل الدبلوماسي في بلد يحتضن واحدة من أكبر الجاليات المغربية في أوروبا، كما يشكل فضاءً استراتيجياً للرهانات المغربية داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما في الملفات المرتبطة بالهجرة، ومكافحة الإرهاب، والصحراء المغربية.

محمد عامر، القادم من حزب الاتحاد الاشتراكي، يُعد من بين السفراء القلائل الذين تم تعيينهم في إطار التوازنات السياسية الداخلية، وليس بالضرورة وفق اعتبارات الكفاءة الدبلوماسية الصرفة. ورغم أنه راكم تجربة على مستوى التعامل مع الجالية، فإن طول المدة يطرح علامات استفهام حول مدى انسجامه مع الرؤية الجديدة التي باتت تحكم عمل وزارة الخارجية، خاصة في عهد بوريطة، الذي يؤمن بمبدأ تجديد النخب، وتقييم الأداء وفق معايير النجاعة والالتزام بالتوجهات الاستراتيجية للمملكة.

إشكالية الولاءات الحزبية في العمل الدبلوماسي

من الملاحظ أن استمرار بعض السفراء المحسوبين على أحزاب سياسية في مناصبهم، حتى بعد تغير السياقات الحزبية والحكومية، يطرح إشكالاً على مستوى الانسجام المؤسساتي. فكيف يمكن لسفير معين في ظل حكومة يقودها حزب معين، أن يستمر في تمثيل المغرب بعد سبع أو ثماني سنوات، رغم تغير الخارطة السياسية وتبدل أولويات السياسة الخارجية؟

بل إن بعض القرارات التي تتخذها الوزارة في الرباط، لا تجد ترجمتها الميدانية بنفس الحزم في بعض السفارات، التي لا تزال رهينة لأمزجة أو رؤى فردية، أو حتى لحسابات لم تعد تنتمي إلى المرحلة الراهنة.

ضرورة التقييم والتجديد

إن التحديات الجديدة التي تواجهها الدبلوماسية المغربية، من اختراق المنظمات الأوروبية، إلى تنامي الضغوط الإعلامية والحقوقية على بعض الملفات الحساسة، تتطلب وجود سفراء ذوي كفاءة عالية، قادرين على تكييف خطابهم مع السياقات المتغيرة، وملتزمين بالتنزيل الحرفي لتوجهات الوزارة، لا الاكتفاء بممارسة “ديبلوماسية الواجهة” أو الاكتفاء بالحضور الشكلي في اللقاءات والفعاليات.

ولذلك، فإن الوزارة مدعوة، اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى فتح ورش تقييم واسع لأداء التمثيليات الدبلوماسية، ليس فقط على مستوى النتائج، بل أيضاً على مستوى الالتزام بالخط السياسي والدبلوماسي الجديد الذي تتبناه المملكة، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس.

ولا يتعلق الأمر بالتشكيك في نوايا أو جهود أي سفير على وجه التحديد، بقدر ما هو نداء لتجديد الدماء في مناصب يفترض أن تكون ديناميكية بامتياز، خاصة عندما يتعلق الأمر ببلدان ذات حساسية كبرى مثل بلجيكا.

إن مغرب اليوم، الذي يتجه نحو الريادة الإقليمية والتموقع القاري والدولي، يحتاج إلى دبلوماسية بمقاسات المرحلة: دبلوماسية الكفاءة، والسرعة، والالتزام. أما السفراء الذين تحوّلوا إلى “مقيمين دائمين” في السفارات، فقد آن الأوان لإعادة النظر في وضعياتهم، صوناً لهيبة المؤسسة، وحفاظاً على الانسجام المطلوب بين مركز القرار وتمثيلياته الخارجية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

This site is protected by wp-copyrightpro.com