من “الشطيح والرديح” إلى الرد على الهاتف… رحلة صعود عون محلي في سفارة المغرب ببروكسيل
حين تتقاطع حفلات الشعبي مع الدبلوماسية المغربية في قلب أوروبا
في دولة مثل المغرب، ما زال “باك صاحبي” يتمدد بهدوء، يتسلل عبر الإدارات، ويتسلطن أحيانًا في مفاصل الدولة… لكن أن يعبر المحيطات ويستقر داخل السفارات المغربية في الخارج، فتلك نسخة دولية من المحسوبية، تستحق التأمل… والتهكم.
“أخبارنا الجالية”، في إطار بحثها – وأحيانًا المؤلم – عن اختلالات التوظيف في الخارج، فتحت ملف التوظيف المحلي في السفارة المغربية ببروكسيل، وهناك وجدنا ما يليق بمسلسل رمضاني: موظفة التحقت بالسفارة كـ”عون محلي”، قادمة لا من معهد دبلوماسي ولا من مدرسة عليا، بل من ساحة الحفلات والولائم، حيث كانت تدير الحفلات وتنسق الطاجين وتتنقل بين الستاتي، حجيب والصنهاجي… لتصبح فجأة في حضرة الدولة، ترد على الهاتف وتأخذ المواعيد باسم المغرب.
حفلات الأمس… مواعيد اليوم
المعنية بالأمر، حسب بحثنا الميداني، كانت معروفة في أوساط بروكسيل بكونها منظمة حفلات مغربية، تملك دفترا ذهبيا لعلاقاتها مع مطربي الشعبي، وتعرف من يطلب “قعدة مع الستاتي” أو عرسًا على إيقاع الصنهاجي.
لكن المفاجأة أن مسارها “الاحتفالي” انتهى فجأة – أو ابتدأ، حسب الزاوية – من داخل سفارة المملكة، بعد أن نالت وظيفة “عون محلي”، دون أي تبرير إداري معلن.
“من الطرائف أن ضيوف السفارة باتوا يستقبلون بنفس الصوت الذي كان قبل سنوات يصرخ في المايكروفون: الصنهاجي داخل يا ناس!”، يقول أحد الفاعلين الجمعويين، ساخرًا.
الشواهد؟ تفصيل غير مهم
حسب المعطيات التي توصل بها طاقم الجريدة، فإن الموظفة لا تتوفر على أي شهادة جامعية معترف بها، لا في المغرب ولا في بلجيكا. ومع ذلك، تشغل منصبًا دائمًا داخل السفارة، بمهام تشمل استقبال الضيوف، إدارة المكالمات، وتنسيق المواعيد. مهام بسيطة من حيث الشكل، لكنها في مؤسسة تمثل وجه الدولة وتفاصيلها الحساسة.
فكيف وصلت إلى هذا الكرسي؟
الجواب لم نجده في أرشيف وزارة الشؤون الخارجية، بل في أرشيف العلاقات الشخصية. وهنا يبدأ الغموض.
السفير محمد عامر… ظل السؤال يحوم
المعنية تم توظيفها، حسب التقاطع الزمني، خلال فترة السفير محمد عامر، الذي قضى – ولا يزال – مدة غير معتادة في هذا المنصب (منذ 2016).
السؤال الذي لم يجب عليه أحد حتى الآن:
من تدخل لصالحها؟
هل كان للسفير دور مباشر؟
أم أن التعيينات في السفارات تتم بـ”التيكي تاكا” بين العائلات والأصدقاء؟
لسنا هنا للاتهام، ولكن كما يقول المثل المغربي: ما كايدوخ غير اللي ما كيشمّش الريحة.
و حسب ما علمته “أخبارنا الجالية” من مصادر مطلعة، فإن وزير الخارجية المغربي، السيد ناصر بوريطة، أعطى تعليمات صارمة بعدم التوظيف خارج المساطر القانونية، خاصة في ما يخص الأعوان المحليين.
لكن يبدو أن التعليمات شيء، وتطبيقها شيء آخر في عالم السفراء المخضرمين.
فإذا كان الوزير قد منع التوظيف العشوائي، فمن المسؤول عن تمرير هذا التعيين؟
وما مدى علم الوزارة المركزية بهذه الاختلالات؟
وكم من حالة شبيهة تعيش بيننا دون أن نعرف؟
التحقيق مستمر… والملف مفتوح
نحن في “أخبارنا الجالية” لا نزعم امتلاك كل الإجابات، لكننا نطرح الأسئلة التي لا يجرؤ غيرنا على طرحها. وسنستمر في تتبع هذا الملف، لا من باب الفضول، بل من باب الحق في الشفافية، والعدل في الولوج إلى مناصب الدولة.
فالمغاربة في بلجيكا – وهم مئات الآلاف – يستحقون سفارة تعكس صورتهم الحقيقية: الكفاءة، والنزاهة، وليس “الباك صاحبي” و”مول العرس اللي فات”.
إذا كان الستاتي والصنهاجي وحجيب قد ودّعوا المعنية إلى قاعات العرس، فالسفارة المغربية استقبلتها بحفاوة… لكن ليس باسم الفن، بل باسم التعيين العجيب.
وفي انتظار الرد الرسمي من السفارة – إن وُجد – نترككم مع سؤال واحد:
هل أصبحت الكفاءة الدبلوماسية تُقاس بعدد الحفلات المُنسّقة؟